ياسر الكردي ود مدني.. هل نضب المعين..؟؟!! في قبل أن تهل علينا بشائر عيد الفداء المبارك بأيام.. حملتني مقادير العمل على كفِّها لتحُطَّ بي في حاضرة ولاية الجزيرة ود مدني.. تلكم المدينة التي كانت ( تحتكر ) صفة ( المعطاءة) حصرياً .. دون أن تنافسها غيرها حتى ولو كانت العاصمة الخرطوم.. كيف لا وقد أهدت الأولى إلى الثانية.. بل الى السودان قاطبة نجوماً في ساحة الفن يكفي فقط أن نذكر منهم عبقري الاغنية السودانية إبراهيم الكاشف والموسيقار محمد الامين والاساتذة أبوعركي البخيت وعبد العزيز المبارك وثنائي الجزيرة وصديق سرحان وصديق متولي وبلال موسى وعلي السقيد وعصام محمد نور...وقائمة طويلة يصعب حصرها حتى على المختصين في هذا الشأن، أما في محراب الشعر والشعراء فلو لم تنجب ود مدني سوى الرائع المسكون بالإبداع الشاعر علي المسَّاح لكفاها. ولعشَّاق المستديرة قدَّمت هذه المدينة ( الولود) نجوماً بقامة أولاد حموري وأولاد سانتو وسامي عز الدين ( ضروري في التمرين) وحمد والديبة ( حاجة عجيبة) وقلة والدحيش وعصام غانا .. وقائمة كذلك بطول ( سنتمترات) المسافة بين ود مدنيوالخرطوم من نجوم لم يكتفوا بطرب جماهير الرياضة بالسودان فحسب بل فاض ( تطريبهم) حتى عمَّ دول الخليج العربي في زمان لم تدخل فيه ( مادة الإحتراف) (مُقرّر ) كرة القدم بالسودان..!! لكن وآه من لكن هذه.. جار الزمان على ود مدني فجعلها أشبه بالعجوز الشمطاء التي ( ضربها) اليأس وجعلها تتكئ فقط على شواطئ الذكريات.. والدليل أنها فشلت في إقناع جماهير الغناء بفنان بعد عصام محمد نور الذي ( حجز ) لنفسه مقعداً في دنيا الفن رغم إمتلاء الساحة بالعمالقة إبان ولوج هذا الفتى لعالم الغناء..!!...أما في المجال الرياضي فقد وصلت مدينة ود مدني مرحلة من التدني والتدهور جعلها ( تستورد) اللاعبين من كوستي وكادقلي ودول أفريقية كانت ترتعد فرقها من المواهب التي تدفع بها ود مدني و( تصدِّرها) للفريق القومي والهلال والمريخ بل والفرق الخارجية.. ولذا لم يكن مستغرباً اذا قال لك كبار الرياضيين بهذه المدينة ان فريقي القمة كانا يهربان تماماً من اللعب في ود مدني.. اللهم إلا المباريات الدورية والتي يُعتبر أداؤها ( شر لا بُد منه)..!! لقد أتاحت لي هذه الرحلة زيارة بعض ملاعب كرة القدم بود مدني وللحقيقة وجدتها أشبه ب ( الخرابات) التي ينعق فيها ( البوم).. في حين أن الملعب الرئيس لهذه المدينة استضاف في منتصف ثمانينيات القرن الماضي إحدى مجموعتى بطولة سيكافا التي إحتضنها السودان ومثله فيها الهلال والمريخ..!! إذاً أين تكمن العلة؟؟!!.. توجَّهتُ بهذا السؤال إلى عددٍ من العالمين ببواطن الأمور في مجالى الفن والرياضة بود مدني.. عن الذي دهى مدينتهم وأقعدها لدرجة جعلتها تعجز عن رفد الساحة الفنية بمواهبٍ.. فشلت كل مُدن السودان مجتمعةً أن تنجب نصفها فقط.. وجعلها كذلك – ود مدمني - تبحث عن نجوم كرة القدم في المدن النائية والدول الافريقية الفقيرة..؟؟!! ورغم أن أسئلتي طرحتها على شخصيات متعددة وفي أزمنةٍ وأمكنةٍ مختلفة إلا أن الاجابات أتت شبه متطابقة وكأنَّ من وجهتها لهم إتفقوا عليها.. حيث تلخَّص مُجملها في ان إبداعات نجوم هذه المدينة في مختلف المجالات كانت أشبه بالعقد...وعندما إنفرط تساقطت حُبيباته واحدة تلو الأخرى.. وذهبوا لأبعد من ذلك عندما أكدوا أن مدينة ود مدني كانت جاذبة لدرجة جعلت أبناءها يتمسَّكون بها ويرفضون مغادرتها...مهما كانت الاسباب والاغراءات بل حتى اللاعبين والفنانين الذين دفعت بهم مواهبهم الى العاصمة كانوا يقتسمون أوقاتهم وإقاماتهم ما بين مسقط رأسهم ود مدني ومكان أكل عيشهم الخرطوم.. لكن الآن وبعد الدمار الذي أصاب مشروع الجزيرة وألقى بظلاله السالبة على مختلف الصُعد سياسياً، إقتصادياً، رياضياً، فنياً وإجتماعياً.. على كافة أرجاء المدينة والمناطق المجاورة لها ما تسبب في هجرة جماعية الي العاصمة .. وكذلك الى خارج البلاد لتكون النتيجة النهائية هي( موت ) مدينة كانت (تغذَّي ) أوردة وشرابين البلاد كافة بكل شئ بدءاً ب(الدولار) عبر (الذهب الابيض) الذي ينتجه مشروعها العملاق ومروراً بشعراء ومطربين أسرفوا في إبداعهم.. وختماً بلاعبين أفذاذ قادوا فرقهم الى ( منصَّات) التتويج بكأسات أغلبها محمولة جواً.