تعتبر السكك الحديدية أكثر وسائل النقل، على اليابسة، كفاءة وفعالية من حيث التكلفة. وبتشغيل القطارات بالكهرباء بدلاً من الديزل ستتعزز القيمة الاضافية لتنافسية السكك الحديد وذلك لما للكهرباء من فوائد عديدة: فتكلفة محركات القاطرة الكهربائية تقل بحوالي 20 في المائة من تكلفة محركات قاطرة الديزل في السوق العالمية، كما أن تكاليف صيانتها أقل بنسبة تتراوح بين 25 إلى 35 في المائة من التكلفة الناجمة عن صيانة محركات الديزل. ومن الناحية التشغيلية وبنفس المستوى تشير التقديرات إلى أن تكلفة تسيير قطاربالكهرباء تقل بنسبة 50 في المائة من تكلفة تسيير نفس القطار بالديزل. ومن واقع الدراسات التي أجريت في الولاياتالمتحدة خلصت الإدارة الفيدرالية للسكك الحديدية، عند المقارنة بوسائل النقل الأخرى، أن كفاءة وقود السكك الحديدية أعلى من كفاءة وقود الشاحنات من حيث إنجاز الأطنان-الأميال لكل جالون. فكفاءة وقود السكك الحديدية تتراوح من 156 إلى 512 طنا-ميل للجالون الواحد ، في حين أن كفاءة وقود الشاحنات تتراوح من 68 إلى 133 طنا-ميل للجالون الواحد. ومع أن التكلفة الحالية للديزل باهظة الثمن، إلا أن التوجه المتوقع على المدى الطويل هو زيادة هذه الأسعار. على العكس من ذلك ، فإن أسعار الكهرباء آخذة في الانخفاض مع الاستخدام السريع لمصادرالطاقة المتجددة . إضافة إلى ذلك سيؤدي التخلص من القاطرات التي تعمل بالديزل إلى تقليل تلوث الهواء بما في ذلك السخام والمركبات العضوية المتطايرة وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت ، وكلها تؤثر على الصحة العامة وكذلك البيئة. هذا مهم بشكل خاص لأن العديد من خطوط السكك الحديدية تمر عبر المناطق الحضرية. كما أنه سيقلل من مستويات الضوضاء في المدن، وسيساعد التحول من الديزل إلى الكهرباء أيضًا في مواجهة التحدي العالمي المتمثل في استبدال وقود النقل القائم على البترول ببدائل أنظف تساعد في المسعى الهادف إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وهذا أيضاً يمثل تحفيزاً لفرص التمويل من مختلف المصادر. سكك حديد السودان من المتفق عليه بشكل عام أن السكك الحديدية لعبت دوراً مهما في تاريخ السودان وفي أبعاد عديدة. كما أن هناك اعتقاداً قوياً أن مستقبل السودان اقتصادياً وسياسياً يعتمد على إنعاش السكك الحديدية في السودان. ومع ذلك، فإن السكك الحديدية السودانية في وضعها الراهن تعتبر في حالة سيئة للغاية لدرجة أنها غير قادرة على الاستمرار على أساس الجدوى الاقتصادية، ناهيك عن لعب الدور التنموي المأمول. ولاستعادة السكك الحديدية في السودان لرونقها فهي تحتاج إلى إعادة تأهيل كاملة تتطلب استثمارات كبيرة. لذلك نقترح هنا أنه بدلاً من الإنفاق على استعادة تقنية عفا عليها الزمن، أن نتعامل مع مشكلتنا ونجعلها فرصة لبناء سكك حديد تتواءم مع رقي وإمكانات تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، وهو ما يتواءم مع الاتجاهات العامة في هذه الألفية حيث يشكل تغيير المناخ مصدر قلق عالمي وتترسخ القناعة أن حرق الوقود الأحفوري هو جزء رئيسي من هذا القلق، الأمر الذي أدى إلى معايير جديدة ترتب عليها التوجه نحو قناعة مغزاها تنمية صناعية جديدة لا تؤثر على البيئة بصورة مدمرة. ولهذا نزعم أن اقتراحنا بالتحول إلى الكهرباء يلائم مبدأ الصداقة مع البيئة من نواح كثيرة، بالإضافة إلى تحسين الكفاءة إلى أقل من نصف الطاقة التشغيلية لنفس الطن- للكيلومتر، فإن خيار استخدام أنواع وقود أخرى للطاقة غير الأحفورية سيؤثر تأثيراً بيئياً إيجابياً هائلاً. وفوق هذا فإن طموح الاقتراح يستشرف الدعوة إلى استخدام الطاقة المتجددة (شمسية ورياح) كمصدر للكهرباء التي تدير محركات القطارات بديلاً عن محرك القاطرة التقليدي المستخدم لوقود الديزل. ونسبة لاعتماد السكك الحديدية بصورة كاملة على الكهرباء، يجب أن يكون مصدر توليد الكهرباء جزءاً لا يتجزأ من نظام السكك الحديدية الذي ينبغي أن تكون له مصادر الطاقة الكهربائية الخاصة به بعيداً عن الشبكة القومية وذلك لضمان عدم تعرض الكهرباء لأي حالة انقطاع تؤثر على حركة القاطرات. وفي هذا الإطار يمكن العمل على استخدام أكبر قدر ممكن من الطاقة المتجددة والنظيفة من الشمس والرياح، ولكن ليس الأوحد، نظرًا لأن الإمداد المضمون للطاقة يتطلب فائضاً في مصدر التوليد، مما يعني أن مشروع السكة الحديدية بمصدره المستقل للطاقة الكهربائية يمكن أن يشكل مكسباً إضافياً لنظام الطاقة إذا تم توصيله. ولهذا و بدلاً من التفكير حول استعادة السكك الحديدية بصورتها التقليدية المتقادمة، يحتاج السودان للنظروبجدية في الاستثمار في بناء خطوط سكك حديدية كهربائية حديثة تتماشى مع المتغيرات التي يشهدها العالم وقطاع السكك الحديدية تحديداً، بحيث أن يتم ذلك على مراحل مع الاحتفاظ بخطوط السكك الحديدية الحالية مع تمديدها لخدمة المزيد من المناطق النائية. مراحل التنفيذ: المرحلة الأولى: الخط الوحيد الذي لديه درجة تشغيل عادية في الوقت الحالي ويمكن البدء به هو خط بورتسودان – هيا -عطبرة – الخرطوم نسبة لأهميته الاقتصادية، وهو في نفس الوقت يعتبر مستودعا لمعظم موارد نظام سكك حديد السودان الحالي. ولهذا نوصي بالبدء باستبدال هذا الخط بنظام السكك الحديدية الكهربائية الجديد. إذ إن عائده الاقتصادي سيكون أعلى بسبب انخفاض تكلفة التشغيل، بالإضافة إلى توفير الوقت بقدر عال بسبب زيادة السرعة، التي يتوقع أن تكون أكثر من ضعف السرعة الحالية. وبسبب الاستخدام العالي لهذا الخط فيتوقع أن يكون زمن استرداد عائد الاستثمار فيه قصيرا. المرحلتان الثانية والثالثة: نقترح أن تكون المرحلة الثانية خط جديد من الخرطومجنوبا على طول النيل الأبيض لربطه عبر النقل النهري بجنوب السودان. هذه المرحلة تختصر المسافة إلى غرب السودان، حيث تبدأ منها المرحلة الثالثة بخط جديد ليتجه غربا الى الابيض لينتهي في بابنوسة حيث يتفرع خطي نيالا في دارفور و خط واو في دولة جنوب السودان. لهذا الخط اهمية سياسية و اقتصادية عالية بسبب رفع كفاءة الانتقال بين مناطق الانتاج في غرب السودان و السوق المحلي و الخارجي. من المهم أيضا تحسين النقل إلى دولة جنوب السودان من معبر آخر. باعتبار دولة جنوب السودان غيرساحلية فهذا الربط عالي الكفاءة يجعل العبور عبرالسودان هو الخيار الأرجح. المرحلة الرابعة: يوجد مقترح إضافي في المسار الشرقي يربط هيا بكسلا والقضارف، ثم مدني والخرطوم. وهو الخط الذي يمكن أن يتواصل نحو إثيوبيا. لهذا الخط أهمية بسبب أنه يربط أكبر مناطق الانتاج في السودان بالميناء ومناطق الاستهلاك عالية الكثافة السكانية. الربط مع إثيوبيا يعطي هذا الخط قيمة إضافية، فإثيوبيا دولة غيرساحلية ويمكن أن يمثل لها خيار أفضل للتجارة الخارجية بزيادة كفاءة الربط مع بورتسودان، و لأن هذا الخط لا يعتمد على اكتمال مراحل قبله، فهو غير متسلسل رقميا في التنفيذ. مع ملاحظة أهمية أن تعتمد أولوية تنفيذ هذه المراحل على المزايا الاقتصادية والتمويلية لكل مرحلة. كل هذه المراحل المقترحة تتكامل مع خطوط السكة الحديدية الموجودة و ترتبط معها كما في عطبرة لخط الشمال و في بابنوسة لخط غرب السودان وفي مدني مع خط النيل الازرق المتصل بسنار والدمازين. من ناحية أخرى فأن الأجزاء والمعدات المفيدة التي يتم استردادها من المراحل المحولة للنظام الكهربائي الجديد يمكن أن تعتبر بمثابة أصول لدعم الخطوط غير العاملة من نظام السكك الحديدية القديم. اكتمال هذه الشبكة سيؤدي إلى تعظيم وإظهارموقع السودان الاستراتيجي وتسليط الضوء عليه بالنسبة للبلدان المجاورة المغلقة وغير الساحلية (جنوب السودان وتشاد واثيوبيا وأفريقيا الوسطى) لانه يوفر لها خيارا أكثر فعالية وتنافسية للتواصل مع العالم الخارجي ويعزز من علاقة السودان الثنائية مع أي من هذه الدول على جميع المستويات.