كان أبو ذر الغفاري في الجاهلية يتكسب من قطع الطريق وعُرف عنه شجاعته في ذلك، فكان يُغير بمفرده في وضح النهار على ظهر فرسه، فيجتاز الحي، ويأخذ ما أخذ ورغم مهنته تلك، كان موحدًا، ولا يعبد الأصنام، وحين بلغته الأخبار بأن هناك من يدعو للتوحيد في مكة، سارع إلى الإسلام، فكان من السابقين إلى الإسلام، على خلاف أكان رابع أربعة أم خامس خمسة انضمامًا إلى الإسلام، أما قصة إسلامه، فقد جاءت على روايتين، الأولى أنه بلغه مبعث النبي محمد، فقال لأخيه أنيس: (اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني)، فانطلق أنيس وسمع قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: (رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، ويقول كلامًا ما هو بالشعر)، فقال أبي ذر: (ما شفيتني مما أردت)، فتزوّد أبو ذر، وقدم مكة، والتمس النبي محمد وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل، فاضطجع فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، واستضافه ثلاثة أيام، ثم سأله عن سبب قدومه، قال أبو ذر: (إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا أن ترشدني، فعلت)، ففعل علي فأخبره، فقال: (إنه حقّ، وإنه رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئًا أخافه عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي)، ففعل، وانطلق يلحق به حتى دخل على النبي محمد، وسمع من قوله، فأسلم لوقته، ثم أمره النبي قائلاً: (ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري)، فقال أبو ذر: (والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم)، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله)، فقام القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس، فأكب عليه، وقال: (ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غفار! وأنه من طريق تجارتكم إلى الشام).؟..فانقذه منهم. (2) انطلق بعدها أبو ذر إلى قومه امتثالاً لأمر النبي محمد لدعوتهم إلى الإسلام، وقد لبّى نصف قومه دعوته إلى الإسلام، وأقام فيهم يقيم معهم شعائر الإسلام، يؤمهم كبيرهم إيماء بن رحضة الغفاري، وبقي النصف الآخر على دينه حتى هاجر النبي محمد إلى يثرب، فأسلموا، وتبعتهم قبيلة أسلم، ثم وفدوا على النبي محمد، وفيهم أبو ذر الغفاري، فدعا لهم النبي محمد فقال: (غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)، وكان مقدم أبي ذر على النبي محمد في المدينةالمنورة بعد غزوتي بدر وأحد، ما أن هاجر أبو ذر حتى لازم النبي محمد، وشاركه في غزواته، حمل أبو ذر راية قبيلته غفار يوم حنين، ولما انطلق النفير ليجمع الرجال للمسير إلى قتال الروم في غزوة تبوك، تحسس المسلمون المتخلفين عن الغزوة، ويُعلمون النبي محمد، فيقولون: (يا رسول الله، تخلّف فلان)، فيقول: (دعوه، إن يكن فيه خير فسيلحقكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه)، حتى قيل: (يا رسول الله، تخلف أبو ذر)، وكان بعير أبي ذر قد أبطأ به، فقرر أن يأخذ متاعه، فجعله على ظهره، وخرج يتبع الجيش، ونظر ناظر، فقال: (إن هذا لرجل يمشي على الطريق)، فقال النبي محمد: (كن أبا ذر)، فلما تأمله القوم، قالوا: (هو والله أبو ذر)، فقال النبي محمد: (رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده).