كتب الاستاذ فوزي بشرى وهو يغادر الخرطوم في طريقه إلى الدوحة: الصديق الصدوق ضياء الدين بلال لا يهم متى تصل مطار الخرطوم في ساعة من ليل أو نهار .. لا يهم متى تغادره آخر الليل أو فجرا هو دائما هناك بضحكة صافية كقلبه و أنس تزينه الالتفاتات الذكية و المفردات التي لم تسهك جدتها و لمعتها تداول الأيدي في سوق الكلام. طائرتي ( أو الطائرة التي تقلني بتعبير أدق ) تطير عند الرابعة فجرا.. و أنا و ضياء كنا نشرق و نغرب في الأحاديث التي ما تنفك عن السياسة حتى تعود اليها.. كان الليل يوغل في ليله و بلادنا توغل في متاهتها. المغنون الذين كانت أصواتهم عالية بالغناء أول السُرى تسلل اليها الوهن فخفتت صارت الى الهمهمات المتعبة أقرب. أصوات أخرى صمتت. إذ لا علامة لفجر و لو كان كاذبا. كل شيئ يبدو كما لو أنه اندفاعة حتمية نحو قدر مقدور لا تعلم ما يكون وراءه من الزلزلات. من يسمع لحكيم في هذا الهياج؟ من يصغي لناصح يقول للقافلة المتعبة إن السامري غشكم و ما ترون ليس نجمة الصباح؟ كانت الساعة قد بلغت الثالثة قلت لضياء لا أحد ينصح القافلة التائهة نصحك و لا أحد يصم أذنيه عن سماع النصح كما يفعل قادتنا الانتقاليون حتى ليبدو الانتقال على أيديهم مهمة تتكفل بنقل الناس الى الآخرة. اغادر البلاد و لا شيئ فيها يملك وعدا بشيئ. لست بحاجة الى بصيرة لكي ترى جثث الأحلام على الطرقات ملقاة و التي لم تمت تترنح. إنها لعنة الشهداء تلاحق من خان دماءهم و أرواحهم العظيمة. ترى بعد كم من المسير المأساوي سيرى بعض المدلجين في ليل الوطن أن الطريق ليست هي الطريق و أن القائد ليس هو القائد و أن أعوانه يمسكون بخرائط خربة امحت فيها المعالم و ضاعت الجهات؟ النداء الأخير على السادة المغادرين الى منافيهم .. مهاجرهم.. مهاربهم التوجه الى بوابة الخروج. يا صديقي لا تكف عن النصح .. لا تكف عن دلق حبرك المضيئ في هذا الليل البهيم فلعله به تتوضح الطريق. ستبدو لك الخرطوم من الجو كأنها تحاكي بسطوة ليلها و مصابيحها الراعشة مشهدنا السياسي كثير الظلام .. قليل الضو.. يا ضياء.