نورالدين مدني الدكتور عبدالله أحمد بشير الشهير ب عبدالله بولا عرفته كفنان تشكيلي لكنني اكتشفت أنه كاتب بارع وله مساهمات فكرية مقدرة خاصة في شأن الهوية الثقافية التي مازال الخلاف يحتدم حولها ويساء استغلالها لخدمة أجندة ومطامع خاصة تؤجج الفتن المجتمعية وتضعف تماسك النسيج المجتمعي السوداني المتعدد الثقافات والأعراق. قرأت له هذه الأيام كتاب "العناصر الأساسية المكونة لحضارة ذات أصول زنجية – أفريقية أم للفكر"الأفريقي" المغترب" الصادر عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي هذا العام. تضمن الكتاب دراسة نقدية للتقرير الذي قدمه الزعيم الأفرقي الشاعر المجيد الرئيس ليوبولد سدار سنغور للمؤتمر الثاني للكتاب والفنانين الأفارقة بعنوان " العناصر الأساسية المكونة لحضارة ذات أصول زنجية – إفريقية" الذي دعا فيه الدول الإفريقية التي تحررت من الاستعمار لبناء حضارة إنسانية جديدة تُستقى من منابع الإلهام الزنجية – الإفريقية. في البدء استنكر د.عبدالله بولا النظرة الإنكفائية للحضارة الزنجية الإفريقية باعتبارها تامة التكوين لا تحتاج للإضافة والتغيير، فالوقع يكذب هذا الإدعاء لأن طبيعة المجتمعات البشرية عامة التطور والتغيير والنمو واكتساب المعارف والقدرات والإماكانات وأدوات ووسائل التقنية الحديثة. رفض د. بولا الادعاء بأن الحضارة الزنجية الإفريقية متخلفة عن حضارة أوروبا التي اكتسبتها عبر عمليات معقدة ومتشابكة وخلال تاريخ طويل وليس لوجود خصائص غريزية وفضائل طبيعية يتميز بها الرجل الأبيض. يواصل الدكتور بولا نقده لتقرير الرئيس سنغور الذي يتفق معه في أن أحد دعامات فلسفة الوجود الزنجية – الإفريقية الحرية، لكنه يرى أنها ليست بمعزل عن المؤثرات الثقافية والمجتمعية الأخرى، كما أنه لا يوجد ما يسميه سنغور" الدين الزنجي – الإفريقي" فالأفارقة ليسوا كتلة صماء بل إنهم كسائر البشر لديهم ثقافات وديانات متعددة. أضاف بولا قائلاً : ليس هناك تناغم مطلق بين الزنجي – الإفريقي وبيئته الطبيعية والمجتمعية ولا يمكن عزل الإنسان عن بيئته لكنه قادر على التواؤم مع البيئات الطبيعية والمجتمعية في البلاد التي يعيش فيها، كما هو حادث الآن في جميع بلاد العالم التي يجد فيها الإنسان الزنجي – الإفريقي نفسه مشدوداً لشبكة ممتدة من علاقات التضامن الأفقية والرأسية، والزنوج ليسوا كتلة عرقية واحدة كما يزعم الرئيس سنغور. لذلك يصل الدكتور بولا إلى حقيقة إنسانية مهمة مفادها انه لا يمكن حصر الإنسان الزنجي – الإفريقي في قالب مغلق يخرجه من تاريخ الإنسانية ومن نواميسها العامة، وليس هناك مبرر لافتعال معارك عرقية تعزل الزنوج – الأفارقة عن العالم وتحرمهم من حقهم في اكتساب معارف وقدرات ووسائل إنتاج وإبداع وتقنية حديثة في الساحة الإنسانية الرحيبة. آمل أن أكون قد وفقت في عرض رؤية الدكتور عبد الله أحمد بشير "بولا" الرافضة للانغلاق العرقي والمجتمعي الداعية للتعايش الإيجابي في بلادنا ومع العالم الذي يحتضننا جميعاً.