معظم الذين استهوتهم دنيا السياسة في السودان وجذبتهم إليها كانوا من الرعيل الأول من المثقفين السودانيين، "محامين وأطباء ، وشعراء ومهندسين وصحفيين" ، برزت مواهبهم منذ أيام مؤتمر الخريجين وكان التباري في ذلك الزمان حول القضية الوطنية والطريقة إلى الاستقلال والتي تباينت فيها الرؤى بين مدرستين فكريتين الاستقلال تحت التاج المصري والسودان للسودانيين، تجلى ذلك السباق المحموم وتوج بالاستقلال المجيد، وبرز من تلك الأجنحة المتصارعة أساتذة على قدر عال من القدرات السياسية والثقافية نذكر منهم على سبيل الذكر وليس الحصر مبارك زروق والمحجوب . وكان من مميزات هؤلاء القادة أنهم كانوا على معرفة وإدراك عميق بناصية اللغة وكانت الخطابة إحدى أدواتهم المهمة في التأثير والاستمالة لذلك كانت خطبهم تأخذ بالأفئدة والألباب إلى حد الإعجاب . مناسبة هذه المقدمة لقاء السيد وزير الداخلية بقوة الشرطة بساحة الحرية والهرج والمرج الذي كان عنواناً لذلك اللقاء الذي تصاعدت فيه الهمهمات لصوت جهير من الأفراد وبعض الضباط وبجرأة غريبة رافضة خطاب الوزير ووتيرة التهديد والوعيد التي فيه والركاكة في اللغة التي كانت أقرب للغة (السبابة) في سوق البهائم ، فلا يعقل أن يقول الوزير لقوته (عليكم يسهل وعلينا يمهل)، وفوق ذلك كله كان على السيد الوزير أن يعرف المناخ والمزاج العام داخل القوة التي للأسف رغم التضحيات والإخلاص والعمل في ظروف غاية في التعقيد والتخذيل الذي مورس عليها منذ نجاح الثورة وللأسف من المحسوبين من الحرية والتغيير والازدراء بقوة الشرطة الذي بلغ مداه وانتظم في غناء قبيح يردده البعض حتى في بيوت الأعراس، ومن القضايا المثيرة أيضاً والتي كانت تحتاج جهداً مضاعفاَ من قادة الشرطة هو غياب الحماية القانونية فكم من الضباط والأفراد سيقوا للمشانق والسجون بل تعرض بعضهم للتعذيب في غياب الحماية القانونية الواضحة، وهذه هي الميادين التي كان من المفترض أن نجد فيها سيد الوزير منافحاً ومدافعاً عن القوة بوضع السياسات التي تنهض بالشرطة وتزيل العقبات وتوفر المناخ المهيأ حتى تؤدي الشرطة عملها باطمئنان ، وأخيراً كان موضوع المرتبات الذي خلف فجوة شاخصة وزاد من معاناة الشرطة التي تخرج باكراً دون حتى أن تؤمن لأسرتها ما يسد الرمق ، ورغم ما قيل إن السيد الوزير حضر للساحة أصلاً للتبشير بزيادة المرتبات إلا أن عدم اختياره للغة المناسبة التي ترفع من الروح المعنوية للقوة هو الذي أدى لتلك الفوضى التي رأها الناس عياناً بياناً . وصدق العرب حينما قالوا : لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ . فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ . 0915033507