للوهلة الأولى وحول طاولة تبدو مستديرة كان سفير السودان بإثيوبيا جمال الشيخ يهمس مهموما لسفير السودان بجنوب السودان عادل إبراهيم يتوسطهم ممسكا بقلمه منكبا على ورقه السفير حسن حامد المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي المفاوض لقطاع الشمال، يجاورهم وقوفا السفير عوض الكريم مدير إدارة السودان ودول الجوار. على مقربة منهم كانت سكرتارية الإيقاد أحدهم يمسك ب(اللابتوب) وآخر يمعن التفحص في أوراقه المبعثرة، وبين هذا وذاك كانت د.رباب بلدو عضو مكتب إيقاد بجنوب السودان تلقي التحايا للجميع. الوفود الرسمية المتفاوضة لا تلتقي مع بعضها البعض، فالوساطة تقدم لكل وفد مقترحها وتجعله يبحثه ويرد بشكل مكتب، بيد أن أمس لوحظ أن لجنة الوساطة السودانية والإيقاد تجتمعان بوفد مشار بشكل مركز ومكثف، كما لوحظ أن الوفد تترأسه إنجلينا تينج مسؤولة لجنة الشؤون الأمنية بالحركة على الرغم من أن الجمعة شهد حضور د.رياك مشار بنفسه لمقر التفاوض. ماذا حدث؟ لجنة الوساطة السودانية التي يرأسها رئيس لجنة العلاقات الخارجية د.محمد مختار الحسين وعضوية مدير إدارة السودان ودول الجوار بالخارجية ومدير إدارة السلام وسفراء السودان في إثيوبيا وجنوب السودان بالإضافة إلى د.عبد الرحمن الخليفة وشخصيات أخرى لم تتعرف عليها (السوداني) اجتمعت لمدى زمني طويل بمعية وفد الإيقاد مع فريق حركة مشار المفاوض. وبحسب معلومات (السوداني) فإن الأمر لا يعدو أن يكون سوى استصحاب ملاحظات وفد مشار وتعديل في الصياغات، وهو الأمر الذي تأكد بتعليق رئيسة اللجنة الأمنية لمشار أنجلينا تينج ل(السوداني) أمس، بأن الأمور كلها (تمام) وتسير بشكل جيد. وطبقاً للكثير من المتابعين في مقر التفاوض فإن الوساطة بفريقها السوداني والإيقاد تعكف على وضع الورقة النهائية من مقترحات الأطراف على المقترح الأخير، وبرزت توقعات باحتمالية التوقيع مساء أمس أو صباح اليوم على التريبات الأمنية بشكلها النهائي. نقطة الخلاف معنويات إنجلينا العالية وتوقعات المتفائلين لم تكن عبثا، إذ إن المعلومات المتوفرة أكدت أن النقطة الوحيدة الحالية التي تعرقل اكتمال المرحلة الأولى في التوقيع على الترتيبات الأمنية تتمثل في رفض وفد حكومة جنوب السودان ما ورد في المقترح بإخلاء المدن من المظاهر العسكرية بما في ذلك المؤسسات العامة كالمستشفيات والكنائس، وهو أمر بحسب لصيقين بالوسطاء سهل يمكن التغلب عليه بمزيد من التفاوض والحوار مع الوفد الحكومي الجنوبي. وكانت الخرطوم قد تقدمت بمقترح ينص في أبرز محاوره على إخلاء المدن من أي وجود عسكري، بما في ذلك المؤسسات العامة والمدارس والكنائس ومعسكرات النازحين، فيما تجمع المجموعات المعارضة قواتها خارج المدن؛ كما نص المقترح على تكوين وبناء جيش قومي خلال 4-6 شهور إبان الفترة الانتقالية؛ بالاضافة إلى تشكيل لجنة من كل الأطراف مهمتها تحديد أماكن تجميع القوات وتتكون من (5) للحكومة (3) للحركة الشعبية المعارضة، (2) التحالف (1) الوساطة، بالإضافة إلى وضع المقترح مصفوفة للعمل ترتب (متى وكيف نبدأ في بناء جيش قومي؟) وفق جداول زمانية ومكانية تفصيليا مختصة بالأجهزة الفنية يغطي التدريب والتشكيل والقوات وبنائها ودمجها وفصلها. ويذهب وزير الخارجية د.الدرديري محمد أحمد في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن أجواء التفاوض إيجابية جداً وأن الوساطة تسير إلى الأمام، نافياً أيَّ تعثرات يمكن أن تعترض العملية السلمية التي ترعاها الخرطوم، مؤكداً في الوقت ذاته أن الفرق التفاوضية في العملية التفاوضية تمضي قدماً، وسلمت مواقفها على المقترح الرسمي المقدم من خلال الوساطة، مشيراً إلى أن الأطراف كلها قبل انقضاء مهلة (72) لإنفاذ إيقاف إطلاق النار أصدرت بيانات تأكيد إيقافها لإطلاق النار، فالحكومة الجنوبية أصدرت قرارها في أول ساعات، ود.مشار في أول 24 ساعة من المهلة ولحقت بهم الأطراف الأخرى أيضا، وأضاف: سنصدر بيانا في الخارجية يؤكد التزام الجميع وإنفاذ إيقاف إطلاق النار قبل انقضاء مهلة ال72 ساعة، كاشفاً عن أن ملف السلطة سيبدأ في وقت لاحق، منوهاً إلى الترتيب لهذه المرحلة عمليا وأن الترتيبات لم تكتمل بعد، وأنهم وجهوا كوساطة في البدء فيها قبل حسم هذه الجولة. وشهدت (السوداني) أمس، إعلان فصيل لام اكول إيقاف إطلاق النار تبعه فصيل كاستيلو قرنق ومن ثم مجموعة قبريال شامسون وأخيرا فصيل توماس شيرليو. دعوات جديدة وعلمت (السوداني) أمس، أن الوساطة وجهت دعوات لشخصيات ورموز في المجتمع الجنوبي تحت اسم أصحاب المصلحة ومنظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى المكوك، فيما أكدت مصادر مقربة من الوساطة أن الخرطوم استقبلت أمس 18 شخصاً من أصحاب المصلحة والمجتمع المدني أبرزهم د.فرانسيس دينق، ادموند ياكاني، المتحدث الرسمي باسم المجتمع المدني، رجب مرجان، بالإضافة إلى ممثلين لرجال الأعمال، فيما ورد اسم موسس مشار ضمن الدعوات المقترحة. وأشارت المصادر إلى أنهم وصلوا إلى الخرطوم بشكل متقطع من جوبا وأديس أبابا ونيروبي، وأن الهدف من دعوتهم العمل كمسهلين في العملية التفاوضية من خلال مشاركتهم الفعلية في كل الجولات. سيل الدعوات لم يقف عند حدود الخرطوم على ما يبدو، وبحسب تسريبات لمصادر مقربة من مشار أكدت ل(السوداني) أمس، أن د.رياك مشار طالب الوساطة السودانية والإيقاد عقب توقيع الاتفاق الإطاري بضرورة توجيه دعوة لفول ملونق اوان رئيس أركان الجيش الشعبي المقال، وبرر مشار لمطلبه بالحرص على شمولية السلام المنتظر الوصول إليه في جولة الخرطوم. آخر مشهد أنهت الوساطة في وقت متأخر من ليل أمس التباحث مع وفد المعارضة الجنوبية المسلحة حول مقترحها للترتيبات الأمنية، وسلمت حركة مشار موقفها مكتوبا، ليكون دور الوساطة توحيد الورقة ليتم إغلاق ملف الترتيبات الأمنية في انتظار التوقيع. وبحسب معلومات (السوداني) فإن اليوم سيشهد بداية الورقة السياسية والمختصة بالسلطة ونظام الحكم.