"مدنية (وي وي وي)، عسكرية (اا وين يا")، هذه هي الهتافات التي جابت عدداً من المدن في الولايات؛ رداً على المحاولة الانقلابية التي بدأت أحداثها فجر الثلاثاء. استيقظت الخرطوم على نبأ محاولة انقلابية فاشلة، قادها اللواء عبد الباقي الحسن، الشهير ب"البكراوي" رفقة عدد من الضباط، كان مسرحها سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة بالخرطوم، حيث يتقلد البكراوي منصب قائد ثانٍ فيها. الخرطوم: التغيير الإلكترونية متهم أول وعلى الرغم من أن المحاولة الانقلابية، تم إجهاضها فوراً، واعتقال البكراوي و(21) ضابطاً آخرين – حسب بيان القوات المسلحة- إلا أن الاتهام ما زال ضد مجهول بعد شيوع الحديث عن ضلوع مدنيين، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة، حمزة بلول، أنه تم القبض عليهم، دون الإشارة لانتمائهم السياسي. من جانبه، وجه رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، أصابع الاتهام ل"الفلول"، وقال في خطابه الذي نقله التلفزيون القومي: "ما حدث امتداد لمحاولات الفلول منذ سقوط النظام البائد لإجهاض الانتقال المدني الديموقراطي". أما عضو المجلس السيادي، الطاهر حجر، فقد وجه اتهامات لجهات دون تسميتها، قال إنها تسعى بشكل دائم لإجهاض الثورة، محذراً من أن أي محاولة انقلابية ستعيد البلاد لمربع الحروب والعزلة. انضم القيادي بالحركة الشعبية شمال، محمد يوسف المصطفى، لرئيس الوزراء في توجيه التهم ل"الفلول" الذين يعملون على قطع الطريق أمام الثورة. ووجه المصطفى أصابع الاتهام ناحية اللجنة الأمنية، التي وصفها بأنها قطعت الطريق أمام الثورة في ال11 من أبريل، ومنعت تسليم السلطة كاملة إلى الشعب. وقال المصطفى ل(التغيير): "كل من يأتي عبر انقلاب لسلطة فهو فلول، حتى وإن لم يكن منهم، لأنه يريد إرجاعنا لنظام الإنقاذ لمواصلة التهميش". وأضاف: "حذرنا من هذه الشراكة ونادينا بأن تكون السلطة كاملة للمدنيين حتى يتم سحق الفلول ومناصريهم". واتهم العسكر بأنهم لن يكفوا عن الانقلابات، مؤكداً في الوقت نفسه عدم نجاح مسعاهم، لأن الشعب أصبح واعياً ومحصناً ضد الانقلاب". وطالب المصطفى العسكر في مجلس السيادة بترك مناصبهم للمدنيين، وأن يعودوا إلى ثكناتهم، متابعاً: "مادام العسكر في السلطة؛ فإنهم دائماً يفكرون في الانقلاب". متهم ثانٍ تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، اتهامات في مواجهة حزب البعث العربي الاشتراكي بضلوعه في المحاولة الانقلابية الفاشلة؛ الأمر الذي نفاه الحزب بشدة، وأصدر بياناً يندد بزج اسمه في الأمر. واتهم فلول النظام البائد بترويجهم لتلك الشائعة، مؤكداً بلسان ناطقه الرسمي، عادل خلف الله، عدم صحة ضلوعهم في الانقلاب. وقال خلف الله: "الفلول لن يكفوا عن اتهام الحزب بالضلوع من المحاولات الانقلابية الفاشلة". واتهم حزب البعث العربي الاشتراكي فلول النظام البائد بالترويج المتكرر للزج بقيادات الحزب منذ انقلابهم في 30 يونيو 1989، لافتاً إلى أن الحزب لن يكون جزءاً من هذه الانقلابات الفاشلة. وأضاف خلف الله ل(التغيير)، إن الحديث عن ضلوع الحزب في الانقلابات لا أساس له من الصحة. وتابع: "لا يستطيع أي حزب الانقضاض على السلطة"، مشيراً إلى أن الجماهير لن تسمح بالردة". ونفى خلف الله شائعة اعتقال أمين سر البعث، علي الريح السنهوري، مشدداً بأنه لا علاقة له بالأمر مطلقاً. جرس إنذار المحاولة الانقلابية الفاشلة دقت جرس الإنذار، حول كون الجيش السوداني، ولاؤه للسلطة أكبر من الدولة، وفق خبير إدارة الكوارث محمد إبراهيم كباشي، الذي أشار إلى أن تفكيك التمكين الذي طال المؤسسات المدنية لم يطل الجيش. وقال كباشي: "المكون العسكري يتحفظ حول أي حديث عن الهيكلة". "إلى جانب عدم تفكيك المؤسسة العسكرية، هناك تردد كبير في الجهاز التنفيذي، تعدد الفاعلين في الدولة، وتململ الشارع العام، كل هذه الأسباب مجتمعة فتحت شهية العساكر لاستلام السلطة" كما يشير كباشي. اتفق مع كباشي، أحد القيادات التنسيقية في لجان المقاومة فضل حجب اسمه حول تململ الشارع العام وإحباط لجان المقاومة من الأداء الحكومي، مؤكداً في الوقت نفسه، جاهزيتهم للخروج والتصدي لأي محاولة انقلابية. وقال المصدر ل(التغيير): "عدم خروج مواكب جماهيرية خوفاً من اختطاف الفلول لها". هناك مواجهة مؤجلة بين المدنيين والعسكريين، من وجهة نظر الخبير الإستراتيجي، الذي يرى أنه من مصلحة الجميع، أن تحدث فوراً وبصورة معلنة "فليقوموا بمناظرة معلنة أمام الشعب". انقلاب معلن "ما جرى "سرد أحداث انقلاب معلن"، هكذا يصف مستشار رئيس الوزراء الإعلامي السابق، فائز السليك، المحاولة الانقلابية. وأشار إلى أن كل المشاهد بدأت بخلق تفلتات أمنية وشد الأطراف بدعم التوترات في الشرق والغرب، والحديث الدائر حول إسقاط الشق المدني في الحكومة الانتقالية. وقال "إن المشهد بات مهيئاً بنشر خطاب الكراهية والعنصرية والتشكيك في المدنية وجدوى التحول الديمقراطي". ومضى المستشار السابق لتوجيه أصابع الاتهام للأجهزة النظامية والأمنية التي وصفها بالمتواطئة بعدم تدخلها لوقف الانفلات الأمني "المصنوع". السليك يتفق مع الخبير الإستراتيجي في وصف المحاولة الانقلابية بجرس إنذار للحكومة للعمل على تحسين أدائها، وقال: "لابد للحكومة من الانفتاح وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم بتشكيل المجلس التشريعي والمفوضيات والمواقع العليا في الخدمة المدنية". وأكد السليك في حديثه ل(التغيير) ضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية، والمضي في الترتيبات الأمنية، ومعالجة قضايا بؤر التوتر العديدة. رفض أم مباركة؟ في الوقت الذي أصدر فيه رئيس بعثة (يونيتامس)، فولكر بيرتس، بياناً مصوراً يدين فيه المحاولة الانقلابية، ويحذر من إعاقة التحول الديمقراطي في البلاد، واتفقت معه الولاياتالمتحدةالأمريكية ببيان صدر عن سفارتها بالخرطوم، إلا أن دول الجوار والخليج قد يكون لها رأي آخر. وبحسب الخبير الإستراتيجي كباشي، فإن الديمقراطية "معدية"، مؤكداً عدم رغبة أي دولة جارة للسودان في اكتمال مشهد انتقال السلطة عبر الانتخابات للمدنيين. وشدد كباشي، على أن المحيط الإقليمي يرغب في إعادة نظام شمولي لا يهمه من يكون على رأسه. دفع مصدر عسكري رفيع تحدث ل(التغيير) الحديث في اتجاه التآمر الإقليمي؛ مشيراً إلى بقاء "البكراوي" لقرابة العام في القاهرة، الأمر الذي قد يكون أتاح له اللقاء مع سفارات أجنبية حد قوله. الانقلاب كان متوقعاً بالنسبة للجميع، وكما قال الخبير الإستراتيجي محمد إبراهيم كباشي، ربما تكون هناك محاولة ثانية ورابعة، ومع الوضع في الاعتبار جميع العناصر الداخلية والخارجية، تبقى الكرة الآن بين يدي الحكومة المدنية التي يمكن أن تستفيد من هذه المحاولة لصالحها في إعادة ترتيب أوراقها وإحياء الثورة التي يبدو أنها بدأت تخبو وسط الشارع الذي يعاني الأمرين اقتصادياً وأمنياً. فهل تتلقف الحكومة زمام المبادرة، أم سيكون الانقلاب الحالي "قولة خير" كما قال كباشي، لانقلابات قادمة؟