نبدأ العرض بالتعريف بالمؤلف: فهو الدكتور نزار محمد عبده غانم وهو من مواليد عدن في 7/10/ 1958وقد كتب التعريف بنفسه بطريقة طريفة شأن الأقدمين: النطاسي … الشيخ أبو فريد نزار بن محمد عبده غانم القرشي المولود في ثغر عدن سنة 1378 للهجرة صاحب الطريقة السومانية. قدم إلى السودان في معية والده الدكتور محمد عبده غانم الذي دعاه الراحل البروفيسور عبد الله الطيب للعمل أستاذاً دكتوراً بكلية الآداب في جامعة الخرطوم في العام 1973 وحتى العام 1977 وفي صحبة والدته أيضاً السيدة الفضلى منيرة محمد علي لقمان صاحبة بئر الماء المحفور في منطقة السلمة ,جنوب العاصمة الخرطوم. ووالده علم من أعلام الثقافة والعلم في اليمن الشقيق وهو شاعر ومؤلف أسهم في تطوير فن الغناء والمسرح في اليمن وقد ربطته صداقة بعبد الله الطيب الذي زاره في عدن وقد كان، محمد عبده غانم، أول يماني يلتحق بجامعة بيروتالأمريكية حيث التقى في ثلاثينيات القرن العشرين بلفيف من أعلام السياسة والعلم في السودان لاحقاً منهم السيد إسماعيل الأزهري زعيم الاستقلال ونصر الحاج علي أول مدير لجامعة الخرطوم ويوسف بابكر بدري عميد كلية الأحفاد وأحمد المرضي القطب الاتحادي المعروف وهناك وتوطدت بينهم الصلات. المؤلف، الدكتور نزار غانم، حصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الخرطوم عام 1984 وعلى الماجستير في الطب المهني من جامعة لندن عام 1989 وحصل على شهادات عليا من جامعات في أمريكا وفي مصر ودرّس في جامعة صنعاء ومارس مهنة الطب في عدن كما عمل ملحقاً ثقافيا بسفارة اليمن في الخرطوم ويعمل حالياً أستاذا للطب النفسي والعصبي في كلية الأحفاد الجامعية في أم درمان. والسومانية مصطلح أشتقه من كلمتي السودان واليمن للسودانيين واليمنيين الذين يجمعون عرقياً بين البلدين أو يحملون جنسية القطرين كما هي حاله هو، فهو سوداني يماني. والدكتور نزار كشأن الكثيرين الذين لم تتمكن مهنة الطب من قتل مواهب الأدب والشعر والموسيقي في نفوسهم، شاعر ربطته صداقات مع كبار شعراء السودان حينها وهو في ميعة صباه من أمثال عبدالله الطيب ومحمد المهدي مجذوب ومحمد أحمد محجوب يطارحهم الأشعار ويطارحونه وكاتب طري العبارة وملحن ومغن أتحفني مرة بمحاكاة شجية لرائعة العاقب محمد حسن للشاعر المصري مصطفى عبدالرحمن، هذه الصخرة، وهو أيضاً باحث متمكن يشهد عليه هذا السفر القيم الذي يصلح تطويره لأطروحة لنيل درجة الدكتوراه في تأريخ العلاقة بين ضفتي بحر القُلزم (البحر الأحمر) وبخاصة بين السودان واليمن فهو وثيقة مؤيدة بدقة بالمراجع التاريخية قديمها وحديثها وددت لو كثرت مثيلاتها بالنسبة للتداخل بين السودان وجواره الجغرافي والثقافي في بلاد العرب وإفريقيا. وقد علمت أن الدكتور الفاتح حسنين قد أرخ للهجرات المغاربية لبلاد السودان لكني لم أقف على دراسة جادة مثلاً للعلاقات السودانية المصرية والتشادية والليبية والاثيوبية بذات العمق والتوثيق الذي جاء في سفر دكتور نزار غانم، جسر الوجدان بين اليمن والسودان . ولعلم القراء فإن هذا السفر القيم قد نفد تماماً في الأسواق وقد استعرضته من نسخة إلكترونية تفضل عليّ بها المؤلف قبل سنوات عدة. (تجدون له لقاءات مفيدة في اليوتيوب). وهذه دعوة لتتبنى إحدى الجهات المهتمة بالثقافة والتاريخ، دعم وتبني مبادرة لإعادة نشره ربما في طباعة مزيدة ومنقحة خدمة للمعرفة وتمتينا للعلاقات السودان الأبدية باليمن الذي ندعو الله لإعادة العافية إلى ربوعه المخضرة البهية. جعل المؤلف الإهداء هكذا بهذه العبارة: إلى السومانيين في كل زمان ومكان . وأردف ذلك بكلمة تحت عنوان كلمة لا بد منها سكب فيها عبارات تنضح بالوفاء والعرفان في زمان وصفه شيخ الشعراء، المتنبي، بأن قد نبذ الناس فيه الحفاظ على الجمائل والوفاء، قال ولأن الحب لا يخضع لمنطق فقد كان من المنطقي في حد ذاته أن أحب السودان دياراً وأهلاً، دوناً عن غير بلد زرتها وعايشت أهلها ذلك لما يتسم به الأشقاء السودانيون من صدق في القول وحجة في المنطق ومكارم في الأخلاق تسم العرب الشرفاء . الكتاب من 558 صفحة من القطع الكبير (حسب افادة المؤلف حيث أني استعرض من نسخة إلكترونية) ومقسم إلى بابين يحتوي الباب الأول على خمسة فصول: – الفصل الأول: مدخل تاريخي تناول العلاقات منذ أقدم العصور وخصص جزءاً للهجرات الحديثة كهجرة أهل اليمن إلى السودان يقول عن الهجرات القديمة، يرجع تدافع العرب عبر البحر الأحمر أو بحر القلزم كما عرف في الماضي، إلى ما قبل الموسوية، حيث كانت السواحل المواجهة لليمن بشرق إفريقيا تعيش بيئة عربية ما بين القرن العاشر والسابع قبل الميلاد ( في كتاب ثغر عدن لابن أبي خرمة) . ويستطرد قائلاً اعتماداً على كتابات إغريقية قديمة فإن جفافاً ضرب اليمن وحضرموت أدى إلى هجرات يمانية إلى ساحل إفريقيا جلبت معها اللغات السامية السائدة اليوم في كامل الساحل الإفريقي وقد كان الطريق البحري الجنوبي تحت سيادة العرب ثم زادت التدفقات بين القرنين السادس والثالث عشر بعد الميلاد وكان أكثرها من اليمن، أكثر منها من الحجاز حيث أن المجرى المائي عند اليمن أضيق بين الساحلين. يؤكد ذلك ما ثبت حديثاً في علم الشفرات الوراثية DNA فقد ترجمتُ النص التالي من النص الإنقليزي الوارد في واحدة من أهم الوحدات البحثية في هذا العلم ذي الدقة المتناهية والمصداقية العلمية 23andmeوهو يتحدث عن السودان: إن السودان وجنوب السودان يشتركان على نحو متفرد في ميراث الجينات الوراثية منذ عصر الحضارات الزراعية التي تشمل الممالك النوبية مثل كوش ومروي والتي ازدهرت على امتداد ضفاف أعالي النيل . لكن اليوم، فإن الجينات الوراثية بين السودان وجنوب السودان قد تباينت تبعاً لتأريخ طويل من التزاوج بين السكان الأصليين في شرق إفريقيا والمهاجرين القادمين من شبه الجزيرة العربية. مما جعل الإرث الجيني العربي يقل في جنوب الإقليم. يؤيد ذلك ما قاله البريطاني (آركل) بأن أول من اختلط بالعرب في إفريقيا هم، البجاة والماساي في شرق إفريقيا. ويشير المؤلف إلى ما ذكره المؤرخ اليوناني استرابو (ت 24 م) من أن شح الأمطار في اليمن والذي أعقبته عواصف رملية وجفاف ثم ما وقع من انهيار سد مأرب، أدي إلى هجرة يمانية إلى جنوب بلاد البجاة وقد نقلت تلك الهجرات معها لغة الجعز السامية Ge'ez والتي تولدت منها لغة التغراي (في الحقيقة غالب اللغات الاثيوبية الرئيسة وتلك السائدة في شرق السودان.) تصاهر المهاجرون مع قبائل البجاة في شرق السودان ثم مع قبائل سائر الساحل الجنوبي للبحر الأحمر.. يورد المؤلف افادة للبريطاني هارولد ماكمايكل (ميكميك) بأن الهجرات اليمنية إلى السودان تكثفت بين 1500 ق.م. و300 ق.م. في عهد دولتي معين وسبأ حتى وصلت وادي النيل. (تاريخ العرب في السودان). ومن خلال المقتبس أدناه من الكتاب يشير المؤلف مستندا الى كثير من الاحالات المرجعية إلى أن عبادة الشمس التي كانت في بلاد اليمن كما ورد في القرآن الكريم، سورة النمل الآية 24 وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله…. عن بلقيس ملكة سبأ كماجاء في جل التفاسير : البغوي والسعدي والقرطبي والطبري وابن كثير: ويرى بعض الباحثين أن الغزاة الذين وفدوا على أعالي بلاد النوبة وحاربوا أهلها، وعبدوا فيها هورس كانوا في حقيقة الأمر عرباً من جنوب الجزيرة العربية والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ظلت آثارها باقية في تلميس والكلابشة في بلاد النوبة حيث نشرها الحميريون الذين عبدوا الشمس قبل المسيحية. واستعمروا شمال الحبشة وتواصلوا مع بلاد النوبة في الأجزاء الشمالية….. وحتى الآن يعبد الإله تل وهو الشمس في منطقة الأنقسنا. (ص 17). لا أدري لعل المقصود هو الإله (رع) وهو الذي كان معبوداً في مصر وبلاد النوبة في شمال السودان وهو الشمس ويرمز إليه في التماثيل بقرص الشمس في الظهيرة وفي عصور لاحقة بدأوا يرمزون لرع ب (حورس) وهو صقر باسط أجنحته على العالمين. معنى ذلك أن حورس ذو صلة بالشمس. وعن علاقات ما بعد الإسلام يقول إن حروب المسلمين انطلاقاً من مصر على عهد عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح والتي بدأت منذ 21 العام الهجري، كان أهل اليمن قوة مقدرة فيها وأن قبيلة لخم اليمنية كانت الأكثر أهمية في هذه الحملات (ابن عبد الحكم في (فتوح مصر والمغرب) وأن عدداً من قادة اليمن قد أصيبوا في معارك النوبة من رماة الحدق منهم العمري وأبو شمر بن أبرهة وحيويل بن ناشره ومعاوية بن خديج النجيبي. ويقال إن اليمنيين قد أخذوا مهارة الرمي بالنبال من النوبة. وهنا أورد المؤلف بيتاً للمتنبي في مدح كافور يقول فيه: يصرف الأمر من مصر إلى عدن إلى الحجاز فأرض الزنج فالنوب فقد خضعت المنطقتان في بعض المراحل التاريخية لسلطة سياسية واحدة. وتناول بتفصيل مفيد تنقل الصوفية والعلماء بعد الإسلام بين البلدين ونجد أكثرهم أثراً هو الشريف أحمد ابن إدريس الفاسي (1758-1837) صاحب التأثير الكبير على جل الطرق الصوفية في السودان وأكثرها تأثراً به الختمية والرشيدية الإدريسية. وقد أقام أبناء الشريف أحمد بن إدريس بعد وفاته في صبيا باليمن، إمارة في منطقة عسير في المدى الزمني بين العام 1907 وحتى عام 1933 وكان آخر سلاطينها علي بن محمد الثاني وهو من أم سودانية من دنقلا هي كريمة السيد هارون الطويل أحد خلفاء الأدارسة هناك .ولعل هذا من الأدلة الدامغة على تواصل تلك العلاقة منذ القدم وقد أشار الجغرافيون العرب وآخرهم المقريزي الذي زار دنقلا في القرن الرابع عشر الميلادي، فترة الممالك المسيحية، أن دنقلا كانت أشبه بمدن اليمن وأن سحنات أهلها كانت متعددة كالحال في اليمن وأن حكامها نسبوا أعراقهم إلى حمير.