وابل من الاتهامات هطل على ثورة ديسمبر المجيدة بحراكها السلمي المستمر، وهي تدخل عامها الرابع، فبعد أن تربعت على عرش السلمية بشهادة القاصي والداني، أضحت الآن محاصرة باتهامات طالت الثوار بذات الطريقة التي طالتهم إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي لم يتوانَ عن الاستهزاء بالثورة، ولم يكف عن الإساءة للثوار إلى أن خُلع عن سُدة الحكم، الثوار من جانبهم اتهموا القوات النظامية بافتعال العنف ضدهم، يأتي هذا وسط اتهامات لطرف ثالث يسعى للوقيعة بين الثوار والقوات النظامية.. رغم سقوط (64) شهيداً منذ الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، إلا أن حادثة مقتل العميد شرطة، علي بريمة، من الاحتياطي المركزي، قلبت معادلة العنف رأساً على عقب، فقد قالت وزراة الداخلية قُبيل أيام إن متفلتين قاموا بقتل عميد شرطة جوار معمل (إستاك) بالقرب من شارع القصر الجمهوري. وذكر نعي على صفحات الوزارة، بمواقع التواصل الاجتماعي، أن قائد قوة الاحتياطي المركزي، قطاع القصر وشروني، العميد شرطة علي بريمة، تلقى طعنات متفرقة في جسده أثناء قيامه بواجبه في حماية تظاهرة 13 يناير . وقالت مصادر شرطية أخرى إن القوة الشرطية كانت تقوم بمنع المتظاهرين من الوصول للقصر الجمهوري، وفي الأثناء ذاتها التي نفد فيها مخزون الغاز المسيل للدموع، ولم تتمكن من الدفاع عن نفسها عند الهجوم عليها؛ مما جعلهم عرضة للهجوم المباغت من عدد من المتظاهرين المتفلتين. حملة سلطة الانقلاب وبالأمس الأول ألقت السلطات القبض على عدد من مصابي مليونية 13 يناير، وأخذتهم بإصاباتهم إلى أماكن مجهولة، الأمر الذي أثار حفيظة قوى ثورية وسياسية، من بينها حزب المؤتمر السوداني، الذي قال في بيان له (أمس) إن الحملة الهوجاء التي تشنها سلطة الانقلاب على لجان المقاومة ومجموعات (غاضبون بلا حدود) و(ملوك الاشتباك)، متخذة من حادثة مقتل العميد شرطة علي بريمة حماد، ذريعة للقمع السياسي والملاحقات التي لا تمت للقانون بصلة. وأوضح الحزب أنهم مروا من قبل بهذه التجربة مرات عديدة في سنوات نظام الإنقاذ البائد، في حادثة جامعة النيلين وحادثة عاصم عمر، حيث استخدمت الإجراءات الجنائية كسلاح للاستهداف السياسي والملاحقات الأمنية، وفي كل تلك الأحداث انتصر الحق في النهاية، وانكشفت عورة النظام الذي امتهن القانون وأهانه. وشدد الحزب على وقوفه بصرامة ضد استهداف شباب الثورة، مؤكداً أن محاولة إلصاق تهمة العنف بالثوار هي محاولة فاشلة لتلطيخ سمعة ثورة عظيمة أبهرت العالم بسلميتها وتمسكها بقيم لا تحيد عنها. وقطع الحزب بأن سيوفر كل أشكال الدعم القانوني والسياسي والإعلامي والميداني لهؤلاء الشباب، وتابع البيان: "لن نترك مساحة للسلطة الغاشمة بأن تنال منهم فرادى". الشارع لن يتأثر تجمع المهنيين السودانيين على لسان ناطقه الرسمي، الوليد علي، قال إن النظام البائد يعمل على شيطنة الثورة عبر المجلس العسكري الانقلابي للحفاظ على مصالحه المكتسبة خلال ال30 عاماً الماضية . واوضح الوليد في تصريحه ل(السوداني) أن الاتهامات التي تطال الثوار هي ذات الاتهامات التي كان يطلقها النظام البائد، منوهاً إلى أن هذه الاتهامات تدل على ضيق الأفق وضعف الموهبة والقدرة على الابداع؛ بسبب أنها ذات الكلمات والجمل، وذات الخطط والدعايات، وتابع: "الحراك عبر شارعه يعرف ما يريد ولن يتأثر بهذه الاتهامات". بروز المخطط القديم أما القيادي بالحرية والتغيير، عادل خلف الله، فذهب بتصريحاته، ل(السوداني)، إلى التأكيد على أن من يقف وراء منع الشعب من مواصلة نضاله السلمي وتقاليده الراسخة للوصول إلى التحول المدني الديمقراطي، لا يؤمن بحق الشعب في التعبير السلمي، مشيراً إلى القوى التي خططت لقطع الانتقال الديمقراطي، وشجعت قوى الانقلاب داخل مؤسسات الفترة الانتقالية على ذلك. ويرى خلف الله أن مخطط شيطنة الثورة قديم ولكنه برز بشكل واضح إبان هبة 2013 وقمع التظاهر واستخدام الأسلحة الفتاكة، وبعد ذلك الحديث عن طرف ثالث. وأردف: "اللافت للنظر أنه منذ اغتيال الطلاب بجامعة الخرطوم والجزيرة لم تقدم الأجهزة النظامية المتورطين في قتل الطلاب أو المتظاهرين في مختلف المدن السودانية، علماً بأن حماية التظاهر من واجب القوات النظامية وبالتحديد قوات الشرطة". وأشار خلف الله إلى حدوث قفزة في الخط المعادي قُبيل تفجر الانتفاضة في هبة سبتمبر بشكل حاسم، ووصل ذروته في جريمة فض الاعتصام في 3 يونيو 2019، واستمر بعد ذلك لتحدث به قفزة مرة أخرى بعد انقلاب 25 أكتوبر، وأضاف: "برزت منصات إعلامية، وأيضاً برز الذين يسمون بالخبراء الإستراتيجيين بغرضهم الأساسي، وهو تشويه الحراك السلمي، ومحاولة إساءة مزاولته، والهروب من المسؤولية في القتل المتعمد، إلى أن تجاوز عدد ما بعد الانقلاب (64) شهيداً، حتى الآن، ومئات الجرحى والمصابين، فضلاً عن المعتقلين، وتجديد الحديث القديم بأن هنالك طرفاً ثالثاً وكتائب"، وتابع: وصلت مؤخراً بملابسات مقتل عميد شرطة الاحتياطي المركزي، وتحميل ما جرى للمتظاهرين السلميين، رغم الملابسات التي اكتنفت حادثة الاغتيال وما أحاط بها من جدل". السيناريو السوري لا أعتقد أن القوات المسلحة والأجهزة النظامية ستستفيد في شيء إذا خرجت المظاهرات عن السلمية ، ولا الثوار سيتفيدون شيئاً).. بهذا ابتدر المحلل السياسي، ورئيس معهد (فوكس) للدراسات، عبد الناصر سلم، حديثه ل(السوداني)، جازماً بوجود طرف ثالث يحاول أن يوقع ما بين الثوار والقوات الأمنية بصورة كبيرة. وقال سلم إن ما حدث من قتل لعميد الاحتياطي المركزي كان واضحاً أن هنالك طرفاً يريد أن يقول إن الثوار قد خرجوا عن السلمية، وهذا غير صحيح، لان السلمية هي الطاغية على تحرك الثوار وأدائهم بصورة كاملة. ويرى سلم أن تأزيم الأوضاع بالداخل يشبه السيناريو السوري الذي تمت الوقيعة فيه بين المواطنين والقوات النظامية، وتحولت الثورة من سلمية إلى ثورة مسلحة، وفوضى عمت كل البلاد. وأردف: "يجب على الثوار أن يلتزموا بالسلمية، ونثق في قواتنا النظامية، ويجب أن تتحلى أكثر بضبط النفس، وكذلك لابد من فتح تحقيقات في مقتل المتظاهرين، وعميد الشرطة للوصول للجهة الثالثة لتقديمها لمحاكمة، وليعلم الرأي العام حقيقة هذه الجهة، وفي النهاية الدم السوداني واحد، وأي شخص يسقط في هذه الأحداث هو خسارة على البلاد". حقيقة الطرف الثالث وقد كثر الحديث عن طرف ثالث يقوم بالعنف في التظاهرات منذ حقبة المخلوع البشير، وأكد في هذا الصدد الفريق صلاح الدين الشيخ بتصريحاته ل(السوداني)، أن قوة الشرطة في التظاهرات غير مسلحة، وتستخدم فقط البمبان، قاطعاً بوجود جهة تسعى لخلق فتنة بالبلاد. وقال الشيخ إن التحدي أمام الشرطة هو القبض على هذا الطرف، وقد تم القبض على قاتل العميد الممول من الجهة الثالثة، منوهاً إلى أن العميد وسائقه لم يكونا مسلحين، وأن السلاح يوجد في الخلف فقط، كاشفاً عن أن الجهة الثالثة حركات مسلحة متمثلة في حركة عبد الواحد محمد نور، ومخابرات دولية لا تريد استقرار السودان.