يحتفي عدد كبير من (الحواتة) داخل وخارج السودان بالذكرى التاسعة لرحيل الفنان الكبير محمود عبد العزيز، بشكل مختلف عبر الليالي الثقافية والندوات أو الأعمال الخيرية والإنسانية التي ظل الراحل محمود عبد العزيز يقوم بها وتواصلت إلى ما بعد رحيله. يحرص جميع الحواتة على إقامة ذكراه والاحتفاء بها في مدنهم وولاياتهم المختلفة؛ تقديراً وعرفاناً لما قدمه من نموذج غنائي متفرد. نجومية ساحقة يعتبر الراحل محمود عبد العزيز من الفنانين الأكثر تأثيراً على الشباب بمُنتجه الغنائي الغزير الذي رفد به الساحة الفنية، ونجوميته الساحقة التي بدأت مطلع التسعينيات، واستمر بريقها بالوهج والألق ذاته حتى رحيله، مخلفاً إرثاً غنائياً مختلفاً . ولد الفنان محمود عبد العزيز محمد علي بن عوف بتاريخ 1967/10/16 بمستشفى بحري، نشأ وترعرع في حي المزاد العريق، مع عدد من الأشقاء ومرت السنوات، وبدأ نبوغه الفني يتفتق وموهبته تتضح بمعالم تشير إلى أن هذا الفنان سيكون له شأن فني كبير. وبالفعل مر بمراحل مختلفة، والتقى بأشخاص وقفوا معه، ودعموه حتى تملس طريقه بنجاح بما يملكه من أدوات فنية وحضور وكاريزما جعلت منه فنان الشباب الأول. حضور ثوري ظل الحواتة يحتفلون كل عام بذكرى الراحل محمود عبد العزيز من خلال إقامة حفل ضخم شهده نادي الضباط في أول ذكرى لرحيله، ثم استاد الخرطوم وغيرها من الأماكن التي كان يشرفها حضور ضخم من عشاق الفنان ومعجبيه، إلا أنه في السنوات الأخيرة تم تأجيل الاحتفال بالذكرى؛ بسبب الجائحة الأولى لكورونا والاشتراطات الصحية التي فرضتها وزارة الصحة وقتها للوقاية من المرض والحد من انتشاره، وكانت الذكرى (أون لاين) عبر القنوات والإذاعات المختلفة. الآن تمر الذكرى التاسعة، وما زال المشهد السياسي معقداً، وما زال الشارع رافضاً وثائراً لما يحدث من ضرب وقتل للثوار؛ الأمر الذي دعا إعلان كيان الحواتة للاحتفال بالذكرى من خلال مليونية ضخمة تمت الدعوة من خلالها لكل الحواتة، باعتبارهم جزءاً لا ينفصل عن الحراك الثوري في الشارع السوداني. تفاصيل موكب (الحواتة) من جانبها أعلنت مجموعة (أقمار الضواحي) تحت شعار (أبقوا الصمود) التي أكدت وقوفها مع الثوار ومطالبهم المشروعة عن مشاركة الثوار في موكب (الحواتة) الذي حددت نقطة تجمعه في محطة باشدار بمنطقة الديم في تمام الحادية عشرة صباحاً، ثم التحرك والالتحام بالمواكب التي أعلنت المشاركة في إحياء الذكرى. تجربة مختلفة يرى عدد كبير من النقاد أن محمود عبد العزيز تجربة غنائية مختلفة، حققت نجاحها من خلال المدارس اللحنية المختلفة وتنوع الأغنيات ما بين الحقيبة والحديث، ليضيف لمساته الخاصة به حتى في أعمال غيره من الفنانين الكبار أمثال صلاح مصطفى، الهادي الجبل، محمد ميرغني، والراحل محمد أحمد عوض وآخرين. إنتاج غنائي يعتبر الراحل محمود عبد العزيز من أكثر الفنانين إنتاجاً دون غيره من الفنانين الموجودين في الساحة وقتها، وخلال فترة وجيزة استطاع محمود إنتاج مجموعة كبيرة من الألبومات الغنائية حتى أصبحت تتنافس عليه شركات الإنتاج الفني. أشهر ألبوماته منذ العام 1994 حتى العام 2018 ألبوم (سكت الرباب، نورالعيون، ما تتشيلي هم، برتاح ليك، جواب للبلد، الحنين، خوف الوجع، اكتبي لي، ..الخ) شعراء وملحنين تعامل محمود عبد العزيز مع عدد كبير من الشعراء والملحنين؛ أبرزهم الشعراء إبراهيم محمد إبراهيم، هيثم عباس، عمر كمبلاوي ود. عزالدين هلالي وآخرين، ومن الملحنين يوسف القديل، وعبد الله الكردفاني. من جانبه كشف الشاعر مختار دفع الله الذي تعامل مع الراحل في عدد من الأعمال عن أسرار تعامله مع الفنان الراحل محمود عبد العزيز بأنه بعد أن تعامل معه في أغنية (عمري بعدو بالساعات عشان خاطر مواعيدك) في العام 1996، كان من المفترض أن يتغنى بقصيدة (رد الرسالة)، وقام الملحن الفنان عبدالله الكردفاني بتلحينها لمحمود، إلا أن القدر كان أسرع ورحل محمود. واضاف مختار دفع الله أن محمود طلب منه أغنية (الفرح المهاجر) التي تغنت بها حنان النيل قبل اعتزالها الغناء، وأخذ الإذن من ملحنها الفنان يوسف الموصلي، الذي وافق لمحمود عبد العزيز بعد أن كان قد رفض الطلب لعدد من المطربين. واختتم: (المبدعون عموماً هم رأس الرمح في عمليات التغيير، لكنهم مسجونون بأمر السياسيين، رغم أن السياسة تفرق، والفنون هي من تجمع الشعوب والأمم بالمودة والمحبة). إنسانية الحوت عرف الراحل بإنسانيته الشديدة وأعماله الخيرية المختلفة، حتى أصبحت تحكى عنه كثير من المواقف المؤثرة بعد رحيله، وغادر الحياة، وهو لا يملك شيئاً منها غير ما قدمه من عمل صالح. وهذا ما أكدته والدته الحاجة فائزة محمد طاهر أن ابنها عاش فقيراً ومات فقيراً لم يملك شيئاً من مال الدنيا غير حب الناس، وزادت: (ظل ابني محمود طوال حياته رافضاً لمظاهر البذخ والترف، فهو يعتبر أن الحياة زائلة، ولا يبقى إلا العمل الطيب). موضحة: (لذلك لم يترك غير ملابسه ومقتنياته الشخصية من هدايا عبارة عن وشاحات وطواقٍ وسلاسل وأساور ومسابح …الخ ، كما أنه كان شحيحاً في أكله وشربه وسكنه الذي كان بالإمكان أن يشيده طوابق عدة، لكنه عاش في صالونه البسيط الذي يعتبر مكان جلوسه، وغرفة نومه، وفيه خزانة ملابسه. علاقات مميزة ربطت الراحل علاقات صداقة مميزة مع عدد من الفنانين أبرزهم جمال فرفور، وليد زاكي الدين، أسامة الشيخ، ومصطفي البربري وآخرين كثر . من جانبه قال الفنان جمال فرفور الذي جمعته علاقة أخوية مميزة بالراحل: (لم يكن محمود عبد العزيز مجرد فنان كبير له قاعدة جماهيرية عريضة، بل كانت العلاقة بيننا علاقة أسرية وصداقة ومحبة ومودة لم أجد منه إلا الخير والدعم الدائم). ،مضيفاً: (محمود تجربة فنية لن تتكرر، حجز لنفسه مكانة فنية كبيرة، والتف حوله المستمعون والمعجبون بتجربة الفنية المميزة).