قالت المتحدثة باسم مجلس السيادة، د. سلمى عبد الجبار، إن اجتماعاً للمجلس، برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الأحد الماضي، اطّلع على "مصفوفة مطلوبات حكومة السودان" من البعثة الأممية "اليونتامس". ذات المهام مصفوفة السيادى لم تبعد كثيراً عن مهام بعثة فولكر، إذ إن "المصفوفة" تضمنت في مقدمتها إنفاذ اتفاق جوبا لسلام السودان، ودعم تنفيذ البرتوكولات، وحشد الموارد، وتقديم الدعم اللوجستي لبناء القدرات، ودعم الآليات الوطنية لحقوق الإنسان والمساعدة في إنشاء ودعم مفوضية نزع السلاح وإعادة الدمج وآلية العدالة الانتقالية وإعادة الإعمار والتنمية. بدا واضحاً أن العلاقة بين المجلس السيادي وبعثه (اليونتامس) دخلت مساراً آخر من التوتر "الشديد" وصل مرحلة التهديد ب"الطرد" خطوة مجلس السيادة قبل يومين بوضع مهام وهي ذات "مهام" "البعثة"، ربما هي محاولة للإبقاء على شعرة معاوية، وربما تكون نصيحة قدمت للعسكر من طرف ما، بعد تصعيد أزمتهم مع البعثة التي تنشط هذه الأيام لحل الأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد، بعد تداعيات قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم من خلال مبادرة فولكر التي تحظى بقبول وسند دولي . عداء مبكر ويرى دبلوماسي رفيع فضل حجب هويته أن موقف السيادي من البعثة ليست مستغرباً، ولم يأت صدفة، إذ إنه رفض دخولها منذ البداية، ولم يوافق إلا بعد ضغوط واتصالات مكثفة قادتها أطراف إقليمية ذات علاقة وطيدة بالمكون العسكري، وبعد الموافقة اعترضوا على بعض المرشحين الدوليين لتولي رئاسة البعثة مثل الدبلوماسي الفرنسي، ووافقوا على الألماني فولكر الرئيس الحالي، ولاحقاً وعندما سيطروا على الوضع تنامى خط التصعيد العدائي اتجاه البعثة، وظل رئيس المجلس البرهان ينتقدها كلما وجد فرصة لذلك خارجياً، كما حدث خلال زيارته للقاهرة مؤخراً، حينما قال إن "البعثة لها مهام محددة، ليس من بينها ما تمارسه حالياً". ذات الكتاب ويمضى الدبلوماسي ذاته، في حديثه ل" السوداني "أن موقف البرهان ضد البعثة أصبح مسنوداً بتيار إسلامي عريض، وهذا التيار له تجارب "عدائية "سابقة خلال وجوده في سدة حكم الإنقاذ "عدائية " مع البعثات الأممية والموظفين الدوليين ابتداءً من يان برونك رئيس البعثة الأممية إلى موظفي الإغاثة ورؤساء برامج الأممالمتحدة. ويلفت إلى أن هذه المواقف كانت نتائجها المزيد من الحصار والضغط على حكومة التيار الإسلامي؛ لذلك أعتقد أن من أسدى نصيحة ل"البرهان "حاول منعه من مواصلة قراءة الكتاب ذاته؛ حتى يتجنب مصير حكومة التيار الإسلامي . المواجهة لكن ذات محدثي يرى أن تطور الأوضاع السياسية في العالم، وعلى رأسها الغزو الروسي لأوكرانيا وانشغالات العالم بها ربما " حمس" قادة العسكر لحسم وجود البعثة في السودان، وأن موعد المواجهة بينهم "حان"، وأن الإعلان عن المصفوفة التي سبق أن نوهت لها وزارة الخارجية في وقت سابق ما هو إلا محاولة ل"جس نبض" المجتمع الدولي، ومدى تفاعله مع الخطوة، كما أنها تأتي بعد أسبوع ساخن من تهديدات البرهان لطرد البعثة حال لم تلتزم بتفويضها، وأعتقد أنه وبعد هذا التهديد جرى لقاء بين الرجلين في القصر "فولكر البرهان". واعتبر الدبلوماسي نفسه أن بيان فولكر الأخير أمام مجلس الأمن الدولي، الذي اتهم فيه الحكومة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تمثلت في استخدام العنف ضد المتظاهرين، واغتصاب فتيات محتجات، واحتجاز نشطاء سياسيين، وحذر من تدهور الأوضاع بالبلاد، ربما يكون هذا البيان قد سارع بتصعيد التوتر الذي أصلاً هو موجود، حيث اعتبره مجلس السيادة ورئيسه عبد الفتاح البرهان تدخلاً سافراً في الشأن السوداني، حيث جدد مجلس السيادة مجتمعاً مطالبته ل"يونيتامس" بضرورة الالتزام بحدود تفويضها والتركيز على مهامها الأساسية التي منحت لها، وعلى رأسها دعم تنفيذ اتفاقية جوبا لسلام السودان. بعثة بديلة ودخلت "يونيتامس" السودان مطلع يناير 2021، بقرار من مجلس الأمن الدولي، وذلك استجابة لطلب تقدمت به حكومة الخرطوم للأمم المتحدة، لتعويض بعثة حفظ السلام في دارفور "يوناميد" التي جرى سحبها العام الماضي. وتتولى البعثة الأممية مهمة دعم الانتقال الديمقراطي في السودان ليكتمل إلى نهاياته، بتنظيم انتخابات حرة، بجانب دعم اتفاق السلام المبرم في جوبا لاحقاً، وعقب تداعيات قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر قادت "يونيتامس" عملية تشاورية لمعالجة الاحتقان السياسي، إلا أنه وبعد تنامي هذا الخلاف صار وجود البعثة نفسه مهدداً. حالة دفاع. سعت "يونيتامس" صد الهجوم الذي باتت تتعرض له، وقال المتحدث الرسمي باسم البعثة في السودان، فادي القاضي، فى تصريحات سابقة له، إن البعثة تعمل وفقاً للمهام الموكلة إليها في قرار مجلس الأمن الدولي، التي من بينها مهمة المساعي الحميدة لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف السودانية". وأوضح القاضي أن البعثة الدولية الخاصة "تواصل العمل مع الاتحاد الإفريقي ومجموعة الإيقاد من أجل مساعدة الأطراف السودانية على الوصول إلى حل للأزمة الحالية التي تواجهها البلاد". العسكر والبعثة الأممية في المقابل يرى وزير الخارجية السابق، إبراهيم طه أيوب، أن المكون العسكري للفترة الانتقالية لم يكن "سعيداً" بطلب رئيس مجلس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، من الأمين العام للأمم المتحدة إرسال فريق فنى دولي للمساعدة في إرساء دعائم الدولة المدنية في السودان، وعارض العسكريون منذ البداية استقدام البعثة الدولية لأنهم يرفضون تدخل الأممالمتحدة في الشأن السوداني ودعم التوجه الديمقراطي في البلاد، ويضيف ل"السوداني" أنهم كونوا لجنة فنية برئاسة الفريق إبراهيم جابر مهمتها "عرقلة" عمل البعثة الدولية وتشويه سمعتها إلى أن تفشل في مهمتها ومغادرة البلاد، ثم كان خطاب رئيس مجلس السيادة البرهان الذي هدد فيه وبطريقة تخلو من" الكياسة" بأنه سيقوم بطرد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ويشير أيوب إلى أن ما قام به البرهان هو ذات نهج ونفس طريقة الرئيس المخلوع الذي كان يردد في خطاباته أن الأممالمتحدة تحت "حذائه". قرار بلا ديمقراطية. ويمضي أيوب إلى أن القرار المقتضب لمجلس السيادة الذي حدد فيه محاور نشاط البعثة الدولية، وأهم مطلوباته "المجلس" منها، وأغفل أهمها الذي يمكن الإشارة إليه والمتمثل في تعزيز الحكم الديمقراطي في البلاد وحماية حقوق الإنسان، وتمكين المرأة والشباب من المشاركة في حكم البلاد وتكوين الآليات المطلوبة لإجراء الانتخابات عند انقضاء الفترة الانتقالية، وإصلاح الأجهزة العدلية ودعم عملية السلام وإشراك كل القوى الوطنية في الحكم وعدم التمييز بين المواطنين على أسس اثنية أو جهوية أو دينية أو غيرها. ويرى أيوب أن موضوع "المصفوفة" ما هو إلا محاولة من مجلس السيادة ل"التخلص" من حديث رئيس المجلس البرهان السابق الذي هدد فيه بطرد ممثل الأمين العام، فولكر، من البلاد. ويواصل أيوب بقوله: "إن المجلس لا يعلم أن البرهان ليس في مقدوره فعل ذلك" لأن وجود البعثة بالسودان جاء بقرار من مجلس الأمن الدولي، وأن "فولكر" لم يأت "للسياحة أو قضاء بعض حوائجه الخاصة" .