الخميس، سيرت لجان المقاومة بالخرطوم أول مواكب شهر مايو في الوقت الذي أصدرت فيه لجان المقاومة جدول التصعيد الثوري في مواجهة الانقلاب لشهر مايو، وحوى الجدول مواكب مركزية، وأنشطة ثورية مختلفة، في السياق ذاته بدأ نشاط مقاوم في الأحياء، جسدته المواكب التي سيرتها لجان بري في اليومين الفائتة وواجهتها السلطات بالقمع. إعلان الجدول يؤكد استمرارية المواكب، وهو الأمر الذي يطرح السؤال حول ما الذي يمكن أن يحدث من هذه المواكب، وما هي تأثيرات استمراريتها على عملية الاستقرار السياسي الذي يمر عبر التسوية؟ 1 في بيان إعلان تصعيد مايو تحدد لجان المقاومة مبررها للاستمرار في المواكب، فهي الطريق الوحيد لإسقاط الانقلاب، كما أنها المعبر الحقيقي عن لاءاتها الثلاث (لا تفاوض لا مشاركة ولا شرعية)، وهي الشعارات التي ترفعها لجان المقاومة منذ الخامس والعشرين من أكتوبر وهي تستهدف في طريقها اسقاط الانقلاب واستعادة الوضع الدستوري عبر حكومة مدنية تعيد العسكر للثكنات يقول أحد أعضاء لجان المقاومة بالخرطوم إن السبب في استمرار المواكب هو ضرورة قطع الطريق على إعادة سيناريوهات التسوية، وأن استمرارهم في الخروج إلى الشوارع أمر يحتمه عليهم الواقع الراهن الآن يكمل الشاب انهم في الشوارع حتى لا تتكرر ماساة اتفاق الوثيقة الدستورية التي تم الانقلاب عليها بواسطة من وقعوها، ويختم الشاب: "نحن في الشوارع لأن عودتنا تعني ضياع دماء الشهداء وحقهم في القصاص وبالتالي بناء سودان العدالة". 2 بالنسبة للكثيرين فإن المجموعة الوحيدة في المشهد السياسي الملتبس التي تملك مشروعاً، وتملك في الوقت نفسه قدرة العمل علي تحقيقه هي لجان المقاومة والكتلة الشبابية، حيث إنها رفعت شعار لا تفاوض وخاضت في نيران المواجهة رغم الدماء المسفوحة، والإصابات، وعمليات القمع والاعتقال في مواجهتها للانقلاب، تبدو لجان المقاومة متقدمة خطوة علي القوى السياسية والأحزاب، بل إنها من تقود الشارع الآن، وتحدد مسارات المستقبل السياسي في البلاد برمتها، تميز هذه الكتلة وقدرتها أمر تعترف به حتى سلطات الوضع الراهن؛ مما دفع برئيس مجلس السيادة الفريق البرهان لخطب ودها من خلال إعلانه عن مشاركة فاعلة لها في البرلمان الذي يزمع تشكيله، ودفع العمل على الأرض بالمبعوث الأممي للبحث عن آلية للجلوس مع لجان المقاومة اعترافاً منه بأن أي محاولة لمعالجة لا تنال رضاء هذه الكتلة تعني أن الأمور ستظل على حالها وبلا تغيير، وفي آخر تصريحاته يقول وزير مجلس الوزراء في الحكومة المنقلب عليها القيادي في حزب المؤتمر السوداني، خالد عمر، إن حزبه لن يستجيب إلى أي دعوة حوار لا تستهدف تصفية الانقلاب. 3 ينتقد الناشط السياسي، منتصر الزين، في وقت سابق مغازلة البعض لمجموعتي (غاضبون بلا حدود) و(ملوك الاشتباك)، وهي المجموعات الأكثر تأثيراً في حراك الشارع، ويري فيها مجرد رافعة لأرصدة ما يسميه (الغوغائية) الثورية وتضخيم للفوضوية؛ مما يعني تحجيم للرصانة والعقلانية، وهو ما يفيد سيطرة الأطراف المستفيدة من حالة الهشاشة، وهو أمر من شأنه قتل لأجندة الثورة والتغيير والتحول الديمقراطي. الرؤية الناقدة لحراك الشارع الآن ولجان المقاومة يتبناها كثيرون وفقاً لاجندة متعددة ومختلفة وهو ما ابرز وبشكل كبير محاولات تجريم الشباب وتوصيفهم بأنهم يسبحون في عوالم اللا وعي ويتعاطون المخدرات، مقروناً ذلك بإبراز الجوانب السلبية للحراك وتوظيفه بأنه الية لتعطيل دولاب الدولة المعطل أصلاً منذ 25 أكتوبر وفقاً لكثيرين يرون أن الازمة في عملية إصلاح المسار والحل في مقاومتها وتصفيتها. 4 لكن وفي مقابل الانتقادات الموجهة للجان المقاومة ومواكبها فإن فريقاً آخر يرى أنه ولولا أن هؤلاء الفتية صمدوا لثلاث سنوات، وحولوا الحزن من فض الاعتصام، ومن سقوط شهداء المواكب والإهانة التي واجهوها بضربهم اعتقالهم وسرقة هواتفهم إلى (غضب) لدفعت البلاد ثمن المخطط كاملاً، وأن مواكبهم التي لا تعرف التراجع قدرتهم على الصمود هي ما تدفع بالسلطة لإعادة حساباتها المرة تلو الأخرى، ونجحت مواكب اللجان عقب 25 أكتوبر في تعطيل مسار الانقلاب، واضطرت قوى إقليمية داعمة له لإعادة حساباتها فيما يجري في السودان. ولا تكتفي لجان المقاومة برفض الوضع، وإنما تقوم بتقديم البدائل له، مثلما حدث في ميثاق سلطة الشعب حيث كشفت تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم عن توقيع ميثاق تأسيس سلطة الشعب، (الأربعاء) القادم، بعد نقاش مستفيض بين اللجان بالأحياء، مشيرة إلى أن التوقيع يعدّ تدشيناً لحقبة جديدة من الممارسة السياسية القاعدية. في فبراير الماضي، طرحت تنسيقيات مقاومة الخرطوم مسودة للميثاق السياسي، من أجل التشاور حولها مع جميع لجان المقاومة وقواعدها على مستوى الولاية و ويشدد الميثاق، على رفض دعوات التفاوض المباشر وغير المباشر مع الانقلابيين، والاستمرار في المقاومة السلمية عبر الأدوات المجرّبة والمبتكرة، كما ينادي ببناء دستور انتقالي، يؤسس لهياكل حكم انتقالي تعمل على تحقيق أهداف الثورة وإنجاز مهام التغيير في فترة عامين. 5 ويتكون الميثاق المزمع توقيعه من اثني عشر بنداً، بالإضافة إلى الأحكام العامة، وجاء في مقدمتها إسقاط انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، ومحاسبة كل الضالعين فيه من القوى المدنية والعسكرية، بالإضافة إلى إلغاء الوثيقة الدستورية برمتها، ومراجعة جميع الاتفاقيات المبرمة والمراسيم الصادرة منذ الحادي عشر من أبريل 2019 ما يؤكد على فرضية أساسية مفادها أن الثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها في الحكم المدني الديمقراطي، ويمثل ميثاق سلطة الشعب نقطة الانطلاق التي تستند عليها لجان المقاومة وتعززه فقط من خلال تواجدها في الشوارع وسط يقين أصحابها بأن النصر حليفهم في حال لم تتراجع مواكبهم، وهم أنفسهم من يرددون الشوارع لا تخون، ساخرين من سؤال البعض إلى متى؟ يجيبون الفورة مليون.