جيرازيلدا الطيب أحبت رجلًا من السودان فأمضت حياتها تحتفي بالسودان وأهله. أعتقد أن جيرازيلدا الطيب ماتت سعيدة وأدركت تلك السعادة لحظات صعود روحها إلى بارئها فقد وهبها الله عمرًا طويلًا وكتب لها الصحة حتى حانت ساعة الرحيل، عندما التقيتها في الثالث عشر من فبراير الماضي وهي تزورنا فى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون لافتتاح إستديوهات الإذاعة الجديدة والذي يحمل أحدها اسم زوجها الراحل البروفيسور عبدالله الطيب كانت تحتفظ برغم تقدم السن بلياقة بدنية معقولة وذهن حاضر وروح دعابة تميزت بها طوال حياتها. دخلنا ردهات الإذاعة ووقفت أمام صورة كبيرة للبروفيسور عبدالله الطيب مثبتة أمام إستديو البرنامج العام الجديد (إستديو عبدالله الطيب)، تأملت الصورة وابتسمت قائلة العبارة التي ترددها كلما تذكرت زوجها الراحل (يا حليلو). إن عبارة (يا حليلو) تعد في تقديري مدخلًا جوهريًا في دراسة اندماج وتعمق الفنانة التشكيلية جرازيلدا الطيب عبر الحب في الحياة السودانية. ظلت جيرازيلدا طوال حياة زوجها الراحل البروفيسور عبدالله الطيب وبعد رحيله تتحدث (بي كل صراح) عن افتتانها به وكيف وقعت في حبه مبهورة ب (عيونو وكمان سنونو) أو كما قالت في عدة لقاءات ثم تبدت لها بعد ذلك شخصية عالم وأديب بهر العالم بنور علمه الفياض فاكتملت عندها كل المحاسن وهنا أضفت جيرازيلدا على الحب حالة نادرة من الوفاء نقلت العلاقة إلى مثالية مثل تلك التي يبحث عنها كل زوجين اثنين فى عالم الإنسان وأتمنى أن يجدا ضالتهما في قصة (جيرازلدا – الطيب) عندما رحل بروفيسور عبدالله الطيب في التاسع عشر من يونيو 2003 قررت جيرازيلدا البقاء في السودان لحراسة الموروث العلمي لزوجها ومنذ ذلك التاريخ انتظم حياة جيرازيلدا نشاط دؤوب لدراسة الشخصية السودانية وطباعها كأنها تسعى لرؤية البروفيسور عبدالله الطيب فى وجه كل سوداني على امتداد أقاليم البلاد المترامية. في السابع عشر من فبراير 2022 دخل مكتبي في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الأستاذ منذر كمال فضل المولى يحمل رسالة خاصة من الفنانة التشكيلية جيرازيلدا الطيب، الرسالة مؤلف عظيم يحمل عنوان (الفردوس المفقود) عن الأزياء الشعبية الإقليمية فى السودان وكتبت لي إهداء بالتقدير والإعجاب. يتحدث الكتاب عن السلوك التاريخي والأزياء النوبية وأزياء الرشايدة وثياب البجة والبنى عامر والهدندوة وملابس سكان الأنهر والثوب السوداني ويفرد مساحات خاصة لأزياء العرس والمناسبات المختلفة. المدهش والرائع هو قيام الفنانة التشكيلية جيرازيلدا الطيب برسم كل الأشكال الواردة في المؤلف (الفردوس المفقود) والذي تركه لنا علامة أخرى تخلد من سيرتها في الحياة وتجعلنا في يوم رحيلنا نحتفي بحياتها العامرة ونقول لها (يا حليلك)، لك المغفرة والرحمة.