(1) ما حدث مؤخرًا من عنف اجتماعي في النيل الأزرق، وخطابات التحشيد الإثني والمناطقي في عدد من الولايات ومن الانقلابيين، والذي وصل قمته في العنف المخطط لضرب موكب السودان الوطن الواحد الذي دعت له قوى الحرية والتغيير، ما حدث يؤكد حقيقة أن الشعبوية والفوضوية (الأناركية) تسيدت المشهد وفتحت البلاد لكافة السيناريوهات المدمرة التي تستهدف تقويض الدولة نفسها. (2) مظاهر العنف والقمع المفرط الذي يمارسه الانقلاب العسكري مأخوذ بالكربون من وحشية النظام المباد، والذي مازالت دوائره تنشط في بث خطاب الكراهية والعنصرية والتحشيد القبلي وتستخدم العنف ضد سلمية الثورة. (3) منذ اندلاع الثورة جنحت إلى السلمية، وأصبحت أهم مكونات الوعي الأساسية للشعب خصوصًا الأجيال الصاعدة التي صمدت أمام آليات القمع المتنوعة من السلطة. (4) من نافلة القول أن الثورة تنادي بالحقوق وفي مقدمتها الحقوق المدنية والسياسية لا سيما الحق في الحياة والحرية والأمن، والمشاركة السياسية، وحرية الضمير والرأي والتعبير، وحرية التجمع، هذه هي بوصلة الثورة. (5) إن جر الثورة إلى العنف الذي ابتدرته السلطة الانقلابية واستجابت له بعض الجهات المحسوبة على الثورة في حقيقة الأمر هو مدخل الفوضى واللا سلطوية وتنفيذ لأجندة الانقلابيين الذين يعملون ليل نهار لتفتيت قوى الثورة وخلق صراع عنيف وسطها لتبرير استمرار الانقلاب وإيجاد مسوغ لإجهاض الحكم المدني الديمقراطي. (6) يظل العنف الحالي وأبعاده السياسية أمرًا مهمًا في فهم الصورة الكلية للأوضاع في البلاد، فمن يتابع البيانات والتصريحات والسلوك العنيف في الساحة مؤخرًا يكتشف، العلاقة بين حالة القمع الذي يمارسه النظام الانقلابي تجاه القوى السلمية وجنوح بعض قوى الثورة إلى سلوك عنيف ضد قوى الثورة الأخرى، والذي يشير بوضوح إلى اختراق أجهزة السلطة الأمنية لبعض قوى الثورة، وهذا يؤكد إصرار النظام الانقلابي على التعاطي مع تعقيدات الوضع السياسي من منظور أمني دون وجود رؤية سياسية، وفشل السلطة الانقلابية الأمني يظهرها بمظهر العاجز عن حماية المواطن، ويكشف محاولتها اليائسة لتوظيف العنف سياسيًا كما جاء في بيان مجلس الأمن والدفاع. (7) إن ظاهرة استعمال العنف في مواجهة المواكب السلمية من قبل البعض تنم عن التعصب الأعمى وتراجع الوعي بقيم التسامح وقبول الآخر، فمصادرة المنابر وحق التعبير سلوك دكتاتوري، وازدواجية المعايير، وخدمة مخططات الانقلابيين بوعي زائف. (8) من الصعب النأي بالبلاد من تداعيات العنف والفوضى التي خلقتها السلطة الانقلابية، إلا عبر وحدة قوى الثورة والتغيير على رؤية واقعية تتعامل مع هذه التطورات الخطيرة لتجنب السودان المخاطر والانزلاق، والتواضع على مشروع وطني جامع ينهي الانقلاب، ويؤسس للسلطة المدنية بمرحلة انتقالية تخلصه من أثقال وآثار الانقلاب، وفق خريطة طريق عابرة للقبلية والإثنية تكرس للمواطنة، وتعيد لحمة النسيج الاجتماعي، وتحقق العدالة، وتترجم شعارات ومقاصد الثورة في برنامج سياسي، ومن البدهي أن أي محاولة منفردة وإقصائية ستزيد من تعقيدات الوضع وتقود البلاد إلى الهاوية. (9) المطلوب من جميع الأطراف المؤمنة بالتحول الديمقراطي تقديم تنازلات متبادلة لإخراج البلاد من محنتها ومواجهة التحديات التي فرضتها شعبوية الانقلابيين وراديكالية وشطط بعض قوى الثورة من عنف وعنف مضاد، إلى رحاب التأسيس الديمقراطي. فالشعبوية والفوضوية لا تقدم حلولًا وإنما تعمق التجاذبات السياسية الحادة وتفتح الطريق أمام استمرار الانقلاب، بينما الديمقراطية تعمق الثقافة المدنية وحق الاختلاف والبناء على القواسم المشتركة.