يوم الثلاثاء تحول الموكب الذي سيرته قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" من أجل التعايش السلمي إلى مواجهة بين بعض منسوبيها وبين مجموعات مدنية هتفت قبل وأثناء الموكب بهتافات "يا أحزاب كفاية خراب" . ومنع متظاهرون موكب "السودان الوطن الواحد" الذي جاء بدعوة من قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) من الاستمرار في تركيب المنصة الرئيسية في "تقاطع باشدار" بحي الديوم الشرقية جنوبي الخرطوم، مرددين هتافات مناوئة للحرية والتغيير، سرعان ما تحول الموقف إلى مشادات وإطلاق للغاز المسيل للدموع.
وسبقت الموكب الذي اضطر مٌنظموه مغادرة منطقة الديوم الشرقية حالة استقطاب بين قوى الحرية والتغيير ولجان مقاومة الديوم الشرقية على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك على خلفية بيان أصدرته تنسيقية لجان مقاومة الديوم اعتبرت من خلاله إقامة منصة إعلامية وسياسية في المنطقة حصرًا على لجان المقاومة.
إيصال رسالته
انتهى الموكب وأعلنت القوى التي قامت بتنظيمه أنها نجحت في ايصال رسالتها من خلاله وهي الرسالة التي تتعلق برفض سياسات الانقلاب التي تستثمر في الكراهية وخلق حالة من المواجهة بين المكونات الاجتماعية للمواصلة في السلطة مثلما حدث في ولاية النيل الأزرق كما أن الهدف من الموكب كان رفضًا للعنصرية.
وأصيب عدد من قيادات قوى الحرية والتغيير في أحداث العنف التي شهدها الموكب ونقل بعضهم للمستشفى لتلقي العلاج واعتبر القيادي في المجلس المركزي خالد عمر يوسف ما حدث بأنه كان متوقعًا مشيرًا للاعتداء على الموكب خصوصًا في ظل حالة التصعيد وهو ما دعا البعض لطرح سؤال لماذا لم تلغِ الحرية والتغيير الموكب من الأساس بعد بيان لجان مقاومة الديوم الشرقية؟ الإجابة عن هذا السؤال هي أن قيام الموكب كان ضرورة من أجل الحفاظ على حق الجميع في الهتاف في سودان الثورة كما أن عملية إلغائه من شأنها أن ترسخ لمثل هذا النوع من السلوك وهو أن تقوم أي مجموعة بمنع أخرى من ممارسة حقها في الاحتجاج.
خطاب الكراهية
حادثة الاعتداء على الموكب، وقعت في تقاطع باشدار وسط الخرطوم، وهو المكان المحدد من قبل تحالف الحرية والتغيير لتجمع موكب "السودان وطن الجميع"، للتنديد بخطاب الكراهية والعنصرية والاقتتال القبلي. وعقب تجمع المئات وتوقعات بانضمام آخرين، ظهرت مجموعة من الشباب وهي تحمل أسلحة بيضاء، وبعضها يحمل أسلحة نارية، بحسب شهود عيان.
شرع هؤلاء في قذف الموكب بعبوات الغاز المسيل للدموع والحجارة، والاعتداء على المشاركين في الموكب، بمن فيهم من سياسيين وصحافيين، على رأسهم عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير، كمال بولاد، والذي نقل إلى المستشفى بعد طعنه بسكين في رجله. كما أصيب التجاني خضر، مراسل "التلفزيون العربي"، ومحمد أحمد الواثق، نجل الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير.
ومع تصاعد العنف، قرّرت قيادات "الحرية والتغيير"، سحب الموكب إلى نقطة تجمع أخرى خشية وقوع صدامات دموية. لكن المعتدين لحقوا بهم، فوقعت اشتباكات جديدة عند شارع 41 في حيّ العمارات، ليتفرق الموكب وسط حالة من الاستياء لغرابة الواقعة ومخاطرها، على المسار السلمي للثورة السودانية كما أنه من شأنها أن تصب الزيت على نيران الخلاف بين القوى السياسية والشارع.
هزيمة الانقلاب
أصدر تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، بيانًا، أكد فيه أن مواكب الثلاثاء "أوصلت رسالة قوية وواضحة مفادها بأن الشعب يعلم أن استقرار البلاد وأمنها رهن بهزيمة الانقلاب واستكمال ثورته المجيدة". وبيّن التحالف أن "الاعتداء الغاشم على موكب الخرطوم، تمّ بواسطة عدد كبير من الأفراد يرتدون أزياء مدنية، مسلحين بالأسلحة البيضاء والمسدسات، وقد تم جلبهم وسحبهم بواسطة شاحنات وعربة نقل متوسطة، وهي دلائل تشير بوضوح إلى ضلوع الأجهزة الأمنية والفلول في الحادثة".
وأضاف البيان أن "ذلك الفعل الجبان أثبت أن الأجهزة الأمنية تستخدم تكتيكات مختلفة متوهمة قدرتها على هزيمة الثورة، وبدأت مخططها بتمهيد الطريق للتضليل الإعلامي، والتخوين والمزايدات التي تدعي الثورية". وأشار بيان التحالف إلى أن الأجهزة الأمنية "انتقلت بفعل الثلاثاء، إلى مرحلة جديدة بنشر ثقافة العنف، وهو أمر يجب ألا نتسامح معه، فالثورة لن تؤتى من قبل أبنائها وبناتها، فمعسكر الثورة واضح وظاهر، وخطابات الثورة المضادة تفضحها أقوالها وأفعالها".
اتهام مبطن
وعلى عكس ما هو متوقع لم تهاجم قوى الحرية والتغيير لجان المقاومة وتحديدًا لجنة مقاومة الديوم الشرقية بعد بيانها الأخير وذلك حتى لا تساهم في تحقيق أهداف قوى الانقلاب والنظام البائد في زيادة الفجوة بينها والشارع فيما اكتفى عضو مجلس السيادة السابق، أحد قيادات التحالف، محمد الفكي سليمان، والذي شارك في الموكب، بالقول على حسابه الشخصي على موقع "فيسبوك": "لن نخُوضَ مواجهةً ضد أحدٍ سوى سلطةِ الانقلاب وحلفائها من نظامِ الثلاثين من يونيو 1989″، وهو اتهام مبطن لجهات سياسية أخرى غير الانقلاب.
وقال عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني والقيادي في قوى الحرية والتغيير نور الدين صلاح، إن الحديث عن "وجود قطيعة" بين "الحرية والتغيير" ولجان المقاومة يشوبه "نوع من التضخيم". وأوضح صلاح في تصريحات ل"الترا سودان"، أن طبيعة تكوين لجان المقاومة تقوم على الموقع الجغرافي ومن الطبيعي حدوث أزمة لكن غير كبيرة لأن العلاقة بين "الحرية والتغيير" وغالبية لجان المقاومة جيدة وفيها قدر عال من التفاهمات.
حاجب الدهشة
بالنسبة للقيادي في قوى التغيير الوزير السابق في حكومة ما قبل الانقلاب خالد عمر يوسف فإن ما حدث هجوم مسلح على الموكب هو أمر متوقع ولا يجب أن نرفع حاجب الدهشة في مواجهته.
وتم التمهيد له عن طريق ارتداء الأجهزة الأمنية لأقنعة ثورية عبر تسامحنا مسبقًا مع الخطابات الشعبوية المزايدة التي جعلت من تجني قوى الثورة على بعضها البعض أمرًا عاديًا لا يثير الاستنكار، والتي جعلت من مهمة نشر الفرقة والشتات في صفوف القوى المناهضة للانقلاب تبدو كفعل ثوري نقي عبر خطاب يستعير كلمات الثورة ويفارق مضمونها وقيمها. وهو ما يشير إلى أن خالد عمر يمضي في ذات الاتجاه باتهام مجموعات حاولت الاصطياد في ماء بيان الإثنين العكر الذي صدر من لجان مقاومة الديوم الشرقية ووظفته لتحقيق أهدافها وغاياتها ضد الثورة ومساراتها في اتجاه بناء سودان للحرية السلام والعدالة . ولاحقًاأصدرت تنسيقية لجان مقاومة الديوم الشرقية بيانًاأدانت فيه ما حدث في باشدار وأعلنت تحملها مسؤولية ما حدث وكامل التزامها بشعارات السلمية التي طرحتها ثورة ديسمبر.
تأثير العنف
فيما أفرز ما حدث يوم الثلاثاء في موكب قوى الحرية والتغيير ردود فعل على نطاق واسع اتفقت معظمها في ضرورة إدانة العنف وعدم التصالح مع ما حدث وعلى خلفية ذلك صدر بيان من مجلس الأمن والدفاع أدان مجلس الأمن والدفاع الذي اجتمع في القيادة العامة برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الأحداث المؤسفة التي جرت في محطة "باشدار" وحذر مجلس الأمن والدفاع من تأثير العنف والعنف المضاد على الأمن القومي للبلاد .
من جانبها أدانت الجبهة الثورية السودانية الاعتداء الذي وصفته ب"غير المبرر" على موكب "السودان الوطن الواحد" الذي نظمته قوى الحرية والتغيير "مجموعة المجلس المركزي"، أمس الثلاثاء 17 تموز/يوليو 2022.
وقالت الجبهة الثورية، إن شعارات موكب "السودان الوطن الواحد" الرافضة للعنصرية والجهوية، تتسق مع المبادئ والأهداف الوطنية التي تنادي بها كل القوى السياسية في البلاد.
وفي السياق أدانت حكومة الظل في حزب بناء السودان "الأحداث العنيفة" التى صاحبت المظاهرات التي خرجت الثلاثاء في الخرطوم وحذرت الأحزاب من أن هذه الممارسات تؤدي إلى "عسكرة المجال السياسي".
وقالت حكومة الظل أمس في بيان اطلعت عليه "السوداني "، إن الحياد عن الالتزام الصارم بسلمية المظاهرات يمثل منحنى حادًا سيؤدي حال استمراره إلى الدخول في حلقات عنف قد يصعب السيطرة عليها.
تعدٍ ممنهج
ورأى بيان حكومة الظل إن "التعدي الممنهج" من قبل الأحزاب السياسية السودانية على ما وصفته ب"الحق الحصري للشعب السوداني" في الدعوة إلى التظاهر والاحتجاج، وتخليها غير المبرر عن القيام بدورها ووظيفتها الأساسية؛ يؤدي إلى"عسكرة" المجال السياسي – على حد قوله البيان.
بعيداً عن بيان حكومة الظل الذي يحمل القوى الحزبية مسؤولية ما جرى فإن قوى التغيير تصر على تورط قوى الانقلاب فيما جرى، وهو مشهد يتوافق مع مشاهد الرغبة في الانقضاض على الثورة، وأن الطريق الوحيد لمواجهتها هو العمل الجاد من أجل توحيد قوى الثورة ومعالجة الاختلافات بين مكوناتها وهو الأمر الذي يمكن ملاحظة بدء خطواته من تتبع بيانات الإدانة لما حدث من قبل لجان المقاومة وتعاطي مركزي الحرية والتغيير بأكبر قدر من ضبط النفس واللغة في التعامل مع ما حدث ما يعني أن خطوة جديدة تم قطعها في الطريق نحو وحدة قوى الثورة ورفض الانقلاب.