"عماد عثمان"، تاجر بسوق القضارف، قال إنَّ أكبر المتشائمين من التجار لم يكُن يتوقَّع أن تستمر هذه الأزمة لمدة (8) أشهر، فالناس منذ مطلع فبراير من هذا العام ظلوا (يستجدون) الموظفين ومدراء البنوك لسحب جزء يسير من أموالهم، ليستغل بعض ضعاف النفوس هذه الفرصة ويُمارسوا حُرمة (الرِّبا) في وضح النهار، وأضاف أنَّ مجالس المدينة بسوق القضارف لا حديث لها هذه الأيام سوى قصة الثلاثة تجار الذين يحملون شيك (درافت) بمبلغ مليون (مليار بالقديم)، ورغم القيمة المصرفية لهذا النوع من الشيكات لكن لم يتمكَّنوا من صرفه بالبنوك، وأخيراً اتجهوا به إلى (سوق الله أكبر) حيث تُمارس (أبهى) أنواع (الابتزاز) وهذا ما حدث من أحد تجَّار السُكَّر والذي وافق بصرف الشيك (الدرافت) شريطة خصم مبلغ (85) مليون بالقديم، وقد وافق أصحاب الشيك عملاً بمقولة (مُجبرٌ أخاك؛ لا بطل). ركود أسواق السيارات وقد تسبَّبت أزمة السيولة وعدم صرف الشيكات بالبنوك التجارية في حالة ركود ضربت الأسواق خصوصاً في العقارات والسيارات، حيث يؤكد عصمت السر ل(السوداني) ظل عارضاً للبيع عربة (بوكس موديل 84) لأكثر من شهر، لكن ما جعل كل العروض تنهار هو أن المُشترين يعرضون عليه نصف المبلغ ب(الكاش) والباقي ب(شيك) وهذا ما يرفضه هو جُملةً وتفصيلا، لأن ذلك يعني فقد نصف المبلغ الذي (يتحرَّك) به في سوق بيع وشراء السيارات، وقال إن حركة البيع عموماً تأثرت كثيراً بأزمة السيولة الحالية، وجعلت المُبايعات التي تتم تُعدُّ على أصباع اليد في معظم المعارض والدلالات. صحوة ضمير..!! من ناحيته تحدَّث ل(السوداني) موظف بأحد البنوك بالخرطوم – طالباً عدم ذكر اسمه – فقال إنَّ أزمة السيولة تمضي من سيء إلى أسوأ، وأنهم كموظفين ظلوا في الآونة الأخيرة (يتحسَّسون) عندما يحين موعد صرف المُرتَّب وذلك لشعورهم أنهم لا يُقومون بعملٍ يستحقون عليه أجر، واستدرك بالقول (صحيح أنه لا يد لنا في الحاصل، لكن كُنَّا نتمنى أن نبذل مجهوداً كبيراً كما العادة حتى نشعُر بطعم المُرتّب). وبسؤالنا على (التطمينات) التي تبثها الحكومة كل مرة بُقرب انتهاء هذه الأزمة قال الرَّجُل: أي حديث لا تسبقه خطوات عملية لحل المشكلة، يظل (كلام ساي)، وأضاف "حتى هذه اللحظة لم نرَ شيئاً يدل على أن المشكلة في طريقها للحل". (بعد لبَّنتْ أدُّها الطير!!) ويقول الاقتصادي الأكاديمي د. عبد الحميد إلياس إنَّ أخطر ما في أزمة السيولة التي ظلت تحاصر البلاد منذ أشهر أنها تمدَّدت وصولاً لموسم الحصاد الزراعي الذي هو الآن على الأبواب، فالعمالة الإثيوبية والسودانية لا تعرف شيئاً اسمه أزمة سيولة بل هي تعمل بمبدأ الحديث الشريف (اعطِ الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)، ويمضي د. إلياس في حديثه ل(السوداني)، أمس، أن كل المؤشرات تؤكد صعوبة حل الأزمة لأن الشرخ الذي حدث لا يمكن الخروج منه بسهولة، ما يعني أن موسماً زراعياً ناجحاً بكل المقاييس قد (يتسربلُ) من أيدي المزارعين دون أن يكون لهم سبب فيه. وقال د. عبد الحميد إن كل المشرات تؤكد أن الجزء الأكبر من الكتلة النقدية لم يعد تحت سيطرة الحكومة بل ذهب لكبار تجار العملة، الذهب، السكر والعقارات وغيرهم. وذات حديث الرجُل سبق وأن أشار إليه وزير التعاون الدولي (السابق) إدريس سليمان والذي قال في مقابلة صحفية إن أحد أسباب أزمة السيولة في البلاد ترجع إلى أن 90% من الكتلة النقدية متداولة خارج النظام المصرفي. ما أدى إلى تدهور قيمة الجنيه ودعا الكثير من التجار بل حتى المواطنين إلى الاحتفاظ بالقيمة النقدية عبر شراء العقارات والذهب والدولار. د. عبد الحميد أكد أن المشكلة التي دخلت فيها الحكومة كبيرة وأن الخروج منها ليس بالسهولة التي تخاطب بها المواطنين، مشدداً أن إرجاع الوضع إلى سابقه صعب جداً ويحتاج لفترة زمينة طويلة حتى تتم استعادة الثقة في النظام المصرفي، مشيراً إلى أن الأمر يحتاج كذلك إلى قدر من المرونة وتفعيل الأدوات الاقتصادية لتثبيت قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى. نتائج عكسية من ناحيته قال المُحلِّل الاقتصادي هيثم محمد فتحى إن الحل يكمن في توفير السيولة من قِبل البنك المركزي للمصارف والأسواق، لأن (فكرة) تحجيم السيولة لم تأت أُكلها بل قادت إلى نتائج عكسية أبسطها حالة الركود والجمود التي أصابت الاقتصاد وتسببت في الانكماش الذي تعاني منه البلاد الآن، وأشار فتحي إلى أن محاولة بنك السودان كانت تهدف لتحقيق التوازن المالي والنقدي وتخفيض معدلات التضخم وعجز الموازنة، في حين كان الأفضل عمله هو تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد من خلال زيادة الإنتاج لتعظيم عائدات صادرات البلاد مع فتح أسواق جديدة باتباع سياسات توسعية مثل تشجيع التمويل والانفاق الاستهلاكي مع وضع سياسات لتحقيق مزيد من العدالة فى توزيع الدخول لمنع الازدواج في الاقتصاد مع تنشيط الطلب الفعال وخلق فرص عمل للقضاء على ظاهرة البطالة والفقر وضبط حركة رؤوس الأموال. بيان ليس بالعمل!! ورغم أن العملاء يشكون لطوب الأرض من حرمانهم من الحصول على سحب المبالغ التي يودُّنها من حساباتهم بالبنوك مؤكدين أن الأمور تسير إلى الأصعب، حيث يقول ل(السوداني) علي عبد الملك – تاجر بسوق ليبيا- إنه في بداية الأزمة كان العميل يستطيع سحب مبلغ يصل إلى (50) ألف جنيه لكن الآن حتى ب(العلاقات) لا تستطيع صرف أكثر من (10) آلاف جنيه في اليوم. في غضون ذلك كان البنك المركزي قد أكد في بيان سابق التزامه والمصارف التجارية بتمكين المواطنين من الاستفادة من أموالهم وودائعهم بالمصارف التجارية بكافة وسائل الدفع المتاحة كاستخدام الشيكات بأنواعها والتحاويل بين الحسابات وكل وسائل الدفع الإلكتروني، واستخدام الدفع النقدي لجميع المعاملات التي لا يمكن فيها استخدام هذه الوسائل. وكذلك استمرار خدمات الصرافات الآلية وتزويدها بالنقود لمقابلة السحوبات اليومية للمواطنين، واستمرار المصارف التجارية في تقديم جميع الخدمات المصرفية الإلكترونية عبر الحسابات بواسطة الصرافات الآلية وعن طريق الدفع عبر الموبايل وتخفيض تكلفته للحدود الدنيا. لكن العملاء بدورهم يؤكدون أن هذا الكلام يسمعونه باستمرار بينما الواقع ينفي ذلك تماماً.