فتحت الأحداث الدامية التي وقعت بمحلية بليل بولاية جنوب دارفور الجرح الذي لم يندمل بعد في الإقليم الذي يشهد صراعات مميتة منذ سنوات طويلة، فلم تجف بعد الدماء التي أضرجت بسبب النزاعات في غرب دارفور وغيرها حتى ارتوت الأرض مجدداً بدماء ضحايا في "بليل"، ففي بحر الأسبوع الجاري سقط قتلى وجرحى في المنطقة المنكوبة في فظائع وجدت الرفض الكبير وسط المجتمع الذي يأمل في الاستقرار ومغادرة محطة القتل والدماء نحو التنمية والاستقرار.. الخرطوم: مهند عباد المجتمع الدولي والقوى السياسية والمجتمعية يرجو أن ينعكس اتفاق السلام على الهدوء والطمأنينة في الإقليم، وقوبلت أحداث "بليل" باستنكار وإدانة واسعة من المجتمع الدولي والقوى السياسية والمدنية والمجتمعية، محملين الحكومة مسؤولية الانفلات الأمني، ومطالبين بحسم هذه الأحداث، في وقت حذر مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من تجدد أعمال العنف القبلي في تلك المنطقة بولاية جنوب دارفور، التي اندلع فيها النزاع خلال الأيام الماضية، وأكد المكتب في بيان له أن انتشار قوات الأمن جعل الوضع الأمني هادئاً لكن لا يمكن التنبؤ به، وأفاد البيان بأن القرى التي حرقت يسكنها (10) آلاف شخص من قبيلة الداجو، وقد عادوا إليها من مخيمات النازحين في سياق العودة الطوعية أو الموسمية.
(وينو السلام وينو).. سؤال قيمة اتفاق جوبا لا أحد بمقدوره الجزم بفاعلية اتفاقية جوبا للسلام في إحداث الاستقرار والهدوء في دارفور، فطيلة الأشهر الماضية ظلت تتجدد الاشتباكات والصراعات الدموية بين مختلف المكونات في الإقليم المنكوب والموبوء بانتشار السلاح، على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات المختلفة على مستوى حكومة الإقليم والولايات والحكومة الاتحادية، إلا أن تجدد الصراعات والأحداث ما يزال هو السمة البارزة في دارفور، وتكاد لا تنقضي أسابيع دون وقع اشتباكات أو قتلى في إحدى المناطق.. وبحسب الكثيرين فإنه وإلى الآن لم تنعكس فعالية قوات حماية المدنيين التي تم تخريجها قبل أشهر على الاستقرار والأمن بالمنطقة ، وهو ما يقود كثيرين إلى التحسر على الأوضاع المأساوية في الإقليم التي نتجت عن الفراغ الذي حدث بعد خروج قوات اليوناميد، وهو الفراغ الذي لا يبدو أن نصوص اتفاقية السلام وإمكانيات وقدرات الحكومة والسلطات قادرة على سده بشكل يجنب الإقليم الانتهاكات والعنف المستمر وسقوط الضحايا..
اعتكاف ومصالحات.. ما الذي جرى؟ وكان نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) اعتكف، في يوليو الماضي، في دارفور لأشهر، بغرض إجراء مصالحات قبلية بين القبائل، توجت بعدد من المعاهدات التي وقعتها مكونات متصارعة في ولاية غرب دارفور، وبالرغم من انتهاء المواجهات بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور بفضل التوقيع على اتفاق السلام الذي أنهى فصولاً من الحرب بالإقليم، إلا أن الاتفاق نفسه لم ينجح في وأد العنف وسط المجتمعات، وانتشرت الصراعات القبلية، واحتدت بشكل عنيف في السنوات الثلاث الماضية. ويرى مراقبون أن الأمر يعود إلى أن ما تم تطبيقه في اتفاق جوبا للسلام انحصر حتى الآن في برتوكول قسمة السلطة، أما بقية البروتوكولات والبنود فلا تزال معلقة دون تنفيذ، وهذا أحد الأخطاء الكبيرة التي تعرقل الاستمرار في تنفيذ الاتفاق، سيما مع إغفال قضايا النازحين واللاجئين والحواكير والعدالة الانتقالية وانتشار السلاح بأيدي المواطنيين، فهذه قضايا يفترض أن تكون لها أولوية حتى ينعكس الاتفاق إيجاباً على حياة وأمن مواطن دارفور وحتى لا تبدو اتفاقية السلام وكأنها أكثر ارتباطاً بالأشخاص منها بالموضوعات والقضايا الخاصة بالإقليم، ويشدد كثيرون على أن "تنفيذ بنود اتفاق السلام كالترتيبات الأمنية التي "تمثل حجر الزاوية في استقرار الإقليم، باعتبارها حجر الزاوية لتنفيذ بقية البنود التي نص عليها الاتفاق.
حماية وتأمين المواطنين.. غياب الدولة وأمس الأربعاء أكد حامد التجاني هنون والي ولاية جنوب دارفور، قدرة الدولة على حماية وتأمين المواطنين، ووقفت لجنة أمن الولاية برئاسة الوالي ميدانياً، على الأوضاع الأمنية والإنسانية في المناطق المتأثرة بالصراع الأهلي في محلية "بليل"، وحسب وكالة السودان للأنباء، نشرت الولاية قوات عسكرية مشتركة لفرض الأمن وإعادة الاستقرار بالمنطقة بعد صراع أهلي مميت بين مكوني الداجو والرزيقات أدى لمقتل (11) شخصاً، وطبقاً للوكالة، استمعت اللجنة للنازحين واحتياجاتهم الضرورية خلال زيارة لمناطق فاشا بمحلية بليل، تعايشة بمحلية نتيقة و"دمة" في محلية مرشنج، كما وقفت اللجنة على التدابير والإجراءات الأمنية لتمشيط المنطقة وبسط الأمن والاستقرار في القرى بهدف عودة النازحين، وقدّمت حكومة الولاية وديوان الزكاة مساعدات عاجلة للنازحين شملت مواد غذاء وإيواء. وقال الوالي في حديث للمواطنين بمنطقة "فاشا"، إن زيارة اللجنة لهذه المناطق للوقوف على الأوضاع الإنسانية للنازحين ومعالجة احتياجاتهم العاجلة من مواد غذاء وإيواء ودواء وكساء، وأضاف أنه تم توجيه مفوضية العون الإنساني وديوان الزكاة بحصر الخسائر والأضرار، وطالب الوالي، المتضرّرين بضرورة فتح البلاغات عن الخسائر في الممتلكات والأرواح لحفظ حقوقهم القانونية، وأكد اهتمام قيادة الدولة ومجلس السيادة بالوضع الإنساني للمواطنين المتضرّرين من الأحداث، وتوقع وصول مساعدات عاجلة من وزارة الشؤون الاجتماعية ومفوضية العون الإنساني.
تحكيم صوت العقل والتمسك بالقانون ومن جانبه، أكد قائد الفرقة (16) مشاة، اللواء الركن ياسر فضل الله، نشر قوات مشتركة كافية وبتفويض كامل لقيادة القوة باستخدام القوة في فرض القانون وحسم المتفلتين، ودعا الشباب لتحكيم صوت العقل والتمسك بالقانون، ونوه إلى أن لجنة الأمن بذلت مجهوداً كبيراً لاستقرار الأوضاع، وأنها تقدّم كل ما أوتيت من قوة لحماية المدنيين، ومن جهته، أعلن مدير شرطة الولاية، اللواء شرطة محمد أحمد الزين، القبض على أكثر من (8) متهمين بمعروضات تمكّنهم من الوصول إلى البقية، ووعد بفتح تحقيق في الأحداث بعد استقرار الحالة الأمنية في المنطقة وتأمين القرى لعودة النازحين، وأعلن التصديق بنقطة شرطة لمنطقة "فاشا"، بالمقابل، طالب سلطان عموم الداجو عبد الرحمن آدم أبوه، بفتح تحقيق في الأحداث وفتح بلاغات بالحوادث والخسائر والمفقودات عبر وكيل النيابة والدائرة القانونية، وشدد على ضرورة تأمين القرى بمرتكزات عسكرية لعودة النازحين، بجانب توفير الغذاء وتوجيه المنظمات لتقديم المساعدات الإنسانية، وكانت حكومة الولاية أعلنت عودة الهدوء والسيطرة على الأوضاع والقبض على عدد من المتورطين في الأحداث الأخيرة.
نظرية الطرف الثالث.. العود أحمد وكان نائب حاكم إقليم دارفور، محمد عيسى عليو، قد قال في تصريحات سابقة: "في تقديري أن المشكلة الحقيقية التي تؤجج الصراعات القبلية في دارفور هي أن هناك طرفاً ثالثاً يزرع هذه الفتن باستخدام الريموت كونترول وتحريك عناصره حتى لا يشهد هذا الإقليم أمناً واستقراراً؛ نظراً لما فيه من خيرات وفيرة وموقع إستراتيجي، بالتالي فإن محاربة هذه القضية المقلقة تكون من خلال التوعية لكل أهل الإقليم حتى يدركوا حقيقة الأمر وأهداف هذا المخطط الخبيث"، ولاحقاً قاد عليو مساعي حثيثة توجت بإقرار حكومة الإقليم بسن قانون للإدارة الأهلية واعتباره ملزماً للجميع من مسؤولين وإدارات أهلية ومواطنين، بغرض المساهمة في حل قضايا الحواكير (الأراضي) وإعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم، فضلاً عن ترسيخه مبادئ المصالحات والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة ونبذ بذور الفتن".
عبد الواحد نور.. (لا) للاتفاقيات الثنائية والتسويات الجزئية وكانت حركة تحرير السودان، برئاسة عبد الواحد محمد نور، قد أدانت أحداث بليل، وقالت في بيان: "ظللنا نؤكد بأن السلام الشامل والعادل والمستدام لن يتحقق عبر الاتفاقيات الثنائية والتسويات الجزئية التي تخاطب قضايا الأشخاص والتنظيمات، وليس قضايا الوطن"، وأشار البيان إلى توقيع عشرات الاتفاقيات الفاشلة التي لم تنجح في حل الأزمة بل زادتها تعقيداً، ، وأكدت الحركة أن السلام الحقيقي يأتي عبر مخاطبة جذور الأزمة التاريخية، ويبدأ بتوفير الأمن على الأرض، ووقف شامل لإطلاق النار ونزع السلاح من أيدي المليشيات والقبائل، ونبهت إلى أن استمرار الجرائم والانتهاكات الفظيعة التي تُرتكب يومياً بحق المدنيين العزّل في دارفور ومناطق أخرى بالسودان نابع عن تقاعس المجتمع الدولي في محاكمة المجرمين المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، واختزال ما يسمى بأطراف سلام جوبا، قضايا الشعب والعدالة في الامتيازات الشخصية، ومقايضة مبدأ تحقيق العدالة بالمناصب، وتابع البيان: "لذا وافقوا على سحب بعثة اليوناميد من دارفور دون أن تكون هنالك قوات حقيقية لحماية المواطنين، وتركوا الأمر للقوات والمليشيات الحكومية التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية بحق مواطني دارفور، ولا تزال، وقالت الحركة في بيانها إن مجتمعات وقبائل دارفور قد ظلت متساكنة ومتعايشة ومتصالحة لقرون من الزمان، قبل أن تأتي حكومة الجبهة الإسلامية، التي عملت على تفكيك النسيج الاجتماعي عبر سياسة فرق تسد، وتسليح مكونات اجتماعية ضد أخرى، حتى يكون الصراع بين قبائل ومجتمعات، وليس بين الصفوة السياسية الحاكمة وعامة الشعب.