بعيدًا عن المسيرات التي انتظمت في الأوقات الماضية وكانت مواقع التواصل الاجتماعي حاضنةً لدعواتها، فإن ما بدا لافتًا خلال ال(24) ساعة التي مضت الحملة التي قادها رواد مواقع التواصل الاجتماعي ضد قناة سودانية 24 ومديرها العام الطاهر حسن التوم، وتسببت في إغلاق مؤقت لصفحة القناة على (فيسبوك) مساء أمس أول لتعود صباح الأمس وقد علق على ذلك الطاهر على صفحته الشخصية بقوله: لمن يستفسر عن صفحة سودانية 24 فهي تعمل بصورة جيدة في نشر محتوى الشاشة. أسباب المقاطعة الدعوات التي انتظمت على مواقع التواصل الاجتماعي لإلغاء الإعجاب بصفحة القناة وتبليغ إدارة فيسبوك عنها أتت كرد فعل عقب سلسلة حلقات لبرنامج حال البلد تناول الأوضاع السياسية الراهنة والاحتجاجات. فعلى سبيل المثال، أشار الطاهر في إحدى حلقاته إلى امتلاك المتظاهرين كاميرات حديثة تُعطي فرصة لتصوير المشهد بشكلٍ مختلف عما هو في الواقع، معتبرًا أن تكلفتها المالية عالية ومرتبطة بمواقع في الغرب صفحتها الرئيسية في فرنسا والنرويج وأضاف: "ثلاث كاميرات مرتبطة بشكلٍ مباشر بمراكز الإنتاج في الخارج". ثم توسعة رقعة دعوات المقاطعة إلى مقاطعة الشركات التي ترعى برنامج حال البلد أو تلك التي تُعلن في القناة، وانتشرت صور بها أسماء الشركات ومنتجاتها. ووفقًا لإعلاميين نشروا على صفحاتهم بفيسبوك فإن شركات كبرى تقرر وقف إعلانها في قناة سودانية 24. إحدى الاستجابات السريعة أتت من تطبيق تذكرتي حيث نفى على صفحته بفيسبوك ما تم تداولهُ على وسائل التواصل الاجتماعي من رعاية تذكرتي لبرنامج حال البلد على فضائية سودانية 24، وأنها لا ترعاه بأيّ شكل من الأشكال موضحةً أن ما يُبث على القناة ما هو إلا إعلان عن الخدمات للجمهور والمشاهدين وأن تذكرتي لا تدعم سياسية القناة بأيّ شكل من الأشكال. دعوات مختلفة بطبيعة الحال طالت المقاطعة الصفحة العامة للطاهر التوم الذي كان قد أشار في وقتٍ سابق إلى تجاوز عدد متابعي صفحته ال(200) ألف، وقد تراجعت حتى أمس إلى 170,983 إعجاب. وينشط رواد المواقع بإرسال رسائل خاصة إلى أصدقائهم أو على صفحاتهم الشخصية بسؤال: هل ألغيت إعجابك بصفحة سودانية 24 اليوم؟ هل ألغيت إعجابك بصفحة الطاهر حسن التوم؟ وانتظمت في أوقاتٍ سابقة دعوات مقاطعة اجتماعية لكل من ينتمي للمؤتمر الوطني، ولاقت حظها من القبول والرفض، وكتب بعض رواد الموقع على صفحاتهم معلنين مقاطعتهم التامة والخصومة المطلقة لكل أقاربهم ومعارفهم وزملائهم ممن ينتمون للمؤتمر الوطني أو ممن يقفون على الحياد، و"أصحاب المواقف الرمادية" على حد وصفهم. حملة مقاطعة أخرى انتظمت في اليومين الماضيين لإحدى محلات الكوافير ببحري، الدعوة كان مبررها إغلاق باب الكوافير أمام المتظاهرين والإبلاغ عنهم. فتيل الحماس الحملات التي انطلقت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن حِكرًا على صفحات أو مؤسسات بل طال جزء منها سياسيين وصحفيين يصفهم رواد مواقع التواصل ب"أصحاب الموقف الرمادي"، و"أعداء الثورة" أو الشعب السوداني. غض النظر عما حملتهُ مواقع التواصل الاجتماعي من تأثير مؤخرًا فقد انتقلت الآن من تصنيفها في "خانة الدردشة" إلى وضع مسارات لتشكيل الرأي العام بحسب مراقبين، ويستدلون على ذلك بغرار ما حدث في بعض الدول العربية؛ حيثُ كان لها أثر في تغيير سياسات دول. وسائل ضغط من جانبه اعتبر الخبير الاستراتيجي الهادي أبو زايدة في حديثه ل(السوداني) أمس أن لمواقع التواصل الاجتماعي دور في تشكيل الرأي العام وتوجيهه لجهة أنها آليات ومنصات إعلامية رغمًا عن كونها واقعاً افتراضيّاً، مشيرًا إلى انعدام أثرها في المناطق الريفية وأن مواقع التواصل الاجتماعي وسائل إعلام مرتبطة بالنخب. الكاتب الصحفي محمد علي جامع ذهب في حديثه ل(السوداني) أمس إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تلعب دورًا كبير في الضغط وتشكيل رأي عام سلبي أو إيجابي، مشيرًا إلى أنها في الفترة الأخيرة باتت تُشكِّل رأياً سلبيَّاً لجهة أن معظم مستخدميها من فئة الشباب وبعضهم غير ناضج، إلى جانب ما أشارت إليه الكثير من الدراسات إلى أن الأخبار الكاذبة تجد رواجًا أكثر. وأضاف: "أحيانًا تُشكِّل رأياً عامَّاً غير حقيقي وحملات تنشأ في دقائق ضد مؤسسة كما ظهر في الحملة على سودانية 24 مما أفقدها 80% من متابعيها". لافتًا إلى أن وسائل التواصل باتت تشكل الرأي العام وسط طبقة الشباب، كبار السن والمتعلمين ومن لهم قدر قليل من التعليم بعكس من لم يصلهم التعليم وهم فئة قليلة. بالمقابل، دأبت جهاتٌ عديدة على التحذير من وسائل التواصل الاجتماعي، إذ حذرت في وقتٍ سابق هيئة علماء السودان من إدمان الشباب والأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت معتبرة أن لذلك انعكاساته السالبة على تماسك النسيج الاجتماعي للأمة السودانية من خلال تأثيرها على قيمها وتقاليدها وعاداتها وثقافتها. رؤى معينة مختصون يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي تُجسِّد رؤية معينة وتصوُّرًا مخصوصًا للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتُكَوِّنُ المظاهر العامة أو نمط الحياة؛ حيث لا يمكن الفصل بين الوسيلة والغاية، كما تُشجِّع المستخدمين على الذوبان والانصهار في عالم الرَّقْمَنَة وطبقًا لذلك أُعتبر أن المجتمع في علاقته مع وسائط الاتصال الجديدة لا يتم تشكيله وبناؤه وفق التأثيرات الوافدة عليه عبر هذه الوسائل فحسب، بل يذوب معها كليًّا. إلى جانب إفرازها لأشكال جديدة من الفعل الجماعي، وخلق فضاءات بديلة احتضنت جماعات افتراضية تكوَّنت حولها مشاغل مشتركة سياسية واجتماعية وفنية ورياضية ومهنية تنطلق من آيديولوجيات متعددة، وأبرزت قادة رأي عام جدد لهم منابرهم الإعلامية وتقنياتهم الخاصة لحشد الجماهير وتعبئة الأفراد. في سياقٍ متصل، اعتبر الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات عبد العظيم عوض في حديثه ل(السوداني) أمس إلى أن لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيرها على الرأي العام إلا أنهُ في معظمه سلبي يبتعد عن الإيجابية، لافتًا إلى أنهُ سرعان ما يكتشف المواطن عدم صدقية ما نُشر على الوسائط من خلال توفر المعلومات. ويرى عوض أن التأثير موجود وتحديدًا في الأحداث الأخيرة لكنهُ يعزي ذلك لثبوت وجود خبراء يعدون مقاطع فيديو للتأثير على الرأي العام، مشيرًا إلى أن بها مبالغات وأن للمواطن السوداني الوعي الكافي لاكتشاف عدم صدقية هذه المقاطع، نافيًا في ذات الوقت أن تمثل هذه المواقع وسيلة ضغط واصفًا إياها بالخزعبلات التي لا يدوم تأثيرها طويلًا، داعيًا إلى مجابهة الأكاذيب التي تحملها الوسائط ومحاربتها عبر توفير المعلومات الخاصة بظروف الأزمة عبر منصات يومية.