لست معنيا بالفتوى والتعليق عن التهم التى سيقت فى حق الفريق قوش بخصوص المحاولة الانقلابيه الأخيرة فهي رهن التحري وهو رهن التحقيق .. ولكني بصدد التعليق على ما أحيا ذكراه السيد الصادق المهدي وما كان يسمى بالتسوية السياسية التى تقودها آنذاك مستشارية الأمن التى كان يرأسها قوش قبل أن تحل نهائيا فيما بعد. السيد صلاح قوش اشترك من قبل مع عضوية حزبه الجبهة الإسلامية القومية فى تقويض النظام الديمقراطي ثم لم تنقضِ سنوات حتى بدت بوادر الانقسام داخل الجسم الحاكم وارتفع مستوى الصراع الداخلي الذي بدأ يفقد الرجل نفوذه وسطوته. قوش اخترع عملا سياسيا أسماه التسوية والتفاوض مع الأحزاب .. تلك لم تكن تسوية ولا تفاوض ولا يحزنون .. تلك كانت مؤامرة وفصل من فصول الصراع الداخلي بينه وبين غرمائه، التسوية الحقة هي أن ينجح الرجل فى إقناع كل أركان حزبه بفشل انفرادهم بالسلطة وضرورة إناخة ناقة التجربة الى هذا الحد ثم إعلان تسليم السلطة الى الشعب عبر ممثليه فإن نجح فى إقناع حزبه بهذه فلله الحمد والمنة وإن لم ينجح فكان عليه مغادرة المسرح السياسي بخطاب اعتزال محكم وواضح يضمنه العبرة التى استخلصها من ذلك العمل الماضي ثم يطلب من الناس والتاريخ مسامحته على ذلك .. ولكن .. وأنت ذات الرجل الذى تآمر على الديمقراطية تريد مرة أخرى أن تتآمر لإرجاعها؟ ماهذا العبث بالله عليكم؟ أيكون هو الرجل قائد التجربة الخطأ ثم قائد التجربة التصحيحية فى أقل من عقدين من الزمان ويريد أن يكون مقعده فى كلا التجربتين هو ذات الموقع؟ هذا لا يحدث إلا فى بلد الحواة هذا الذى يكسر فيه الرجل عنق الديمقراطية ثم يسلخ جلدها ثم يجمع الناس من جديد للنفخ فى روحها وإحيائها من جديد لتصفق له جوقة البلهاء وأصحاب الذاكرة (السمكية) !! السيد الصادق المهدي تعمد أن يحدث كل هذه الجلبة قبيل عودته للخرطوم ليجد طرق استقباله مزدحمة وليقتسم مع الآخرين فى المسرح بعض فلاشات الأضواء ومع هذا لم يكن موفقا فى كثير مما قال. ومن ذلك اعترافه بأن كل من فكر فى القيام بانقلاب عسكري دعاه للاشتراك فيه.. السيد الإمام لم يخبرنا لماذا يتعشم فيه كل أصحاب المشاريع الإنقلابية (الخير) ثم لم يخبرنا ماذا يفعل علنا مع مثل هذه الدعوات وهو صاحب أكبر كتلة ديمقراطية فى البلد؟ ثم لا أحد يعلم بالضبط هل الرجل محق فى مثل هذا القول أم أنه أراد فقط أن يكون نجم الشباك للجمهور الديمقراطي وكذلك معشوق المغامرين الانقلابيين ؟ !! خاصة وأن الترابي قد رد عليه ذات مرة عندما أشاع الإمام أن الترابي دعاه للاشترك فى الانقلاب الانقاذي على الديمقراطية فقد رد الشيخ حسن على هذا القول ساخرا : "إن أردت الإعداد لانقلاب وأخبرت الناس جميعا فلن أخبر الصاق!!" ولكن ليس هذا المهم مطلقا فالمهم سادتي الأعزاء هو هذا السؤال ... أفليس من العبث السياسي فى هذه أن يكون الرمز الديمقراطي الأول فى البلاد هو المدعو دائما للاشتراك فى كل محاولة انقلابية (على حسب إفادته شخصيا)؟؟!! ثم السيد الصادق يعيد إلينا مواجع التاريخ وهو يفيد أنه كان يرد على أصحاب الانقلابات بأنه لن يشترك معهم إن لم يكن لديهم حريات فى أنظمتهم !! السيد الإمام قال هذا دون أن يذكره أحد بقسم ولائه للاتحاد الاشتراكي ذات يوم .. ذاك القسم الذى أعطى مايو بعد ذلك مقدار عمرها الذى عاشته !!! وهيئة شؤون الأنصار تصدر بيانا متضامنا مع الإمام تختمه بالآية (وأعدوا لهم....) الهيئة تنسى أنها ألزمت نفسها بالعمل الدعوي فقط ولا شأن لها بالسياسة ...ثم سيتفاجأ الناس صبيحة الأحد الكثير من رجال الهيئة داخل دهاليز وزارة الإرشاد (يقضوا تفثهم ) أو وهم يسرعون للحاق باجتماع راتب فى مجمع الفقه الإسلامي التابع للحكومة التى دعوا للإعداد لها من قوة ومن رباط الخيل ...... عبث.