طائر مكسور الجناح!! لو كانت تنطق؛ لردَّدت (سودانير) بلسانٍ فصيح قول الشاعر : بكلٍّ تداوينا فلم يشفَ ما بنا!!.. فبعد أن كانت شركة الخطوط الجوية السودانية مؤسسة وطنية (100%) جار عليها الزمان فجعلها تهبط هبوطاً اضطرارياً انتهى بفكرة ( الاستخصاص) التي طرحت منذ انعقاد مؤتمر قضايا النقل في السودان بتاريخ يوليو 2004م، وآل (الناقل الوطني) بعد ذلك إلى مجموعة عارف الكويتية بنسبة شراكة بلغت 49%، مع شركة الفيحاء القابضة والتي امتلكت 21%، بينما احتفظت الحكومة السودانية بباقي النسبة البالغة 30% . ولأنَّ ( عارف) لا تعرف شيئاً عن دهاليز الطيران مع أنها الشريك الأكبر؛ لذا كُتب للتجربة فشلاً ذريعاً، عادت بموجبه سودانير (اليتيمة) إلى أحضان الوطن مرة أخرى، لكن هاهو تقرير لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يؤكد مُجدَّداً أن ( الناقل الوطني) لم يُقلع بعد من ( محطة المعاناة )!!.. ومن أراد الأدلة والبراهين سيجدها في ثنايا هذا التحقيق، الذي نتناول من خلاله مسيرتها، ثم ندلف إلى الأسباب التي قادتها إلى (مقصلة) الاستخصاص وكيف جرت (العملية)؟ وهل كانت مجموعة عارف هي الأنسب؟ وأخيراً نقف عند سؤال جوهري يقول: كيف هو حال وأحوال ( سودانير) الآن؟؟؟ بدأت معالم خصخصة الناقل الوطني تلوح في الأفق عندما عُقد في شهر يوليو 2004م مؤتمر قضايا النقل في السودان وقُدِّمت فيه ورقة بعنوان ( مقترح استراتيجية وطنية للنقل الوطني). وزير النقل والطرق والجسور:عادت سودانير لأحضان الوطن لكن في غياب الدعم والحماية المطلوبة أسوة بالمنافسين ما أثقل كاهل الشركة بالضرائب والرسوم والجبايات الجمركية. تقرير رسمي: الناقل الوطني مُكبَّل بالديون الداخلية والخارجية المتوارثة من جراء الخصخصة والتي بلغت " 44" مليون دولار. تحقيق: ياسر الكردي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته بين القمة والقاع تاريخ تليد في عالم التحليق استمر زهاء الخمسة وستين عاماً كانت فيه (سودانير) تُعدّ واحدة من مؤسسات القطاع العام السيادية، إذ لم يتوقف دورها في ربط البلاد ببعضها البعض؛ وبالعالم الخارجي، بل ساهمت فى فك العديد من الاختناقات في مجال الأمن الغذائي والتواصل الداخلي، سيما في ظل ( موت) السكة حديد وافتقار البلاد للطرق البرية الجيدة التي تربط أطراف وأواسط البلاد ببعضها، كل ذلك في ظل حروب داخلية ما توقَّفت منها واحدة إلا وقالت ل( أختها) استعري. هنا كانت الكلمة ل(سودانير) التي أعطت بلا منٍّ ولا أذى وكان يمكن أن يستمر عطاؤها بأفضل مما كانت عليه لولا الإهمال الذي ضربها منذ قرابة العقدين من الزمان، ما جعل مسؤول (سابق) بالشركة يقول لي إبان (الخصخصة): إنَّ المديرين الذين توافدوا على الشركة مؤخراً كمن يتعلمون إدارة النقل الجوي في أموال الشعب السوداني المُعدم أصلاً، ففي كل مرة يؤتى بمدير لا علاقة له مطلقاً بهذا المجال ولذا فهو لا يعرف ما يدور لتكون النتيجة الواقعية تخبطاً في كل شيء يبدأ بعدم اختيار الطائرات المناسبة ذات الأحجام الكبيرة للتشغيل بجانب عدم الاهتمام بتغطية السوق المحلي بشكل جيد ما جعل الشركات الخاصة تتسيّد الموقف وتتحرك في كل الاتجاهات بكفاءة عالية جعلتها تحقق أرباحاً كبيرة في عالم الطيران. أما بالخارج فما زالت قصة خط هيثرو يكتنفها الغموض حيث فقدت سودانير حقها التاريخي في الهبوط بمطار هيثرو مقابل (صفقة) استدعت دخول البرلمان ب( جلالة قدره) لفكِّ طلاسمها. مسلسل الخصخصة عدد من الخبراء الاستراتيجيين الذين عملوا بسودانير قبل (نكبتها) أرجعوا تاريخ (العِلَّة) التي ألمت بالشركة للعام 1996م حيث صدر وقتذاك القرار الأممي الشهير الذي حمل الرقم (1070)، مؤكدين أن سودانير أول من دفعت الثمن حيث إنها حُرمت من امتلاك الطائرات واستجلاب قطع الغيار، سيما وأن الولاياتالمتحدة (مهندسة القرار) تمتلك حوالي 80% من هذه الاسبيرات ما جعل سودانير تقوم بشرائها بأضعاف أسعارها الأصلية وعبر وسطاء. فقد حدث أن احتاجت طائرة بوينج (737) لقطعة غيار صغيرة أقعدتها لمدة ثلاثة أشهر ولم تأت إلا عبر وسطاء من دولة عربية وبأضعاف ثمنها. من هنا بدأت معالم خصخصة الناقل الوطني تلوح في الأفق حيث عُقد في شهر يوليو 2004م مؤتمر قضايا النقل في السودان قُدِّمت ورقة بعنوان (مقترح استراتيجية وطنية للنقل الوطني) أعدَّها د. يس الحاج عابدين، د. شمبول عدلان محمد والفاتح مكي معروف، حيث تم وضع أربعة خيارات للمفاضلة بينها وهي التحالف الاستراتيجي، الشراكة الاستراتيجية، التنمية الذاتية وأخيراً المشاركة في رأس المال والتشغيل وهو الخيار الذي تم تنفيذه وبموجبه جاءت مجموعة عارف الكويتية إلى شركة الخطوط الجوية السودانية. خيار خاطئ!! السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: بعد تدهور الناقل الوطني وتحوُّله من شركة منتجة وداعمة للاقتصاد الوطني إلى عالة على الوطن نفسه، هل يُعتبر الشريك الذي آلت إليه وقتذاك ( 70%) من أسهم سودانير – مجموعة عارف الكويتية 49% والفيحاء القابضة " شركة سودانية" 21%؛ هل كان يمكن اعتباره شريكاً استراتيجياً مناسباً بحيث يستطيع نقل سودانير إلى مصاف الخطوط المصرية والكينية، بالطبع لا ولن نقول الخطوط القطرية لأن ذلك حُلم بعيد المنال؟ مهندس عمل مديراً للإدارة التنفيذية سابقاً بسودانير – طلب حجب اسمه- أجاب على الاستفهام السابق بقوله: حقيقة بعد آلت إليهم الأمور ومن خلال مقابلاتي واتصالاتي بالشركاء (الجدد) لم ألمس أن هناك خطة استراتيجية متكاملة تم وضعها لكيما يتم تنفيذها عبر برمجة زمنية محددة. بل سارت سودانير بذات الوتيرة التي كانت عليها قبل الخصخصة. وبالتالي فالشراكة مع المستثمر الذي استحوذ على ثلثي الأسهم لا تعتبر شراكة استراتيجية لأن الشريك لم يكن يملك الخبرة والإمكانات الفنية التي تمكنه من تشغيل الشركة فقد كانت على يقين بأن مشكلة ستواجههم هي الانتقال من كونك مُموّل إلى مُشغِّل وهنا فقط يظهر عامل الخبرة بجلاء لأن التمويل وحده لا يحقق نتائج وهذا ما حدث بالضبط. هد الحيل المهم أن ( الناقل الوطني) قد عاد الى ( حضن الوطن) مُجدداً – حمداً لله على سلامته- لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه : وكيف حاله وأحواله بعد رحلة العودة؟؟ الإجابة عند وزارة النقل والطرق والجسور والتي تشرف على تسع وحدات – سودانير واحدة منها- هذا بموجب المرسوم الجمهوري رقم " 39 " لسنة 2011م، حيث قالت الوزارة على لسان وزيرها د. أحمد بابكر نهار : إنَّ شركة الخطوط الجوية السودانية ظلت تقوم بدور حيوي في ظل منافسة غير متكافئة مع الشركات الأجنبية، وإن كل ذلك يحدث في غياب الدعم والحماية المطلوبة أسوة بالمنافسين ما أثقل كاهل الشركة بالضرائب والرسوم والجبايات الجمركية وغيرها. ومضى الوزير يقول في تقريره الذي قدمه قبل أيام أمام مجلس الولايات: إنَّ العقوبات الأمريكية الجائرة وقفت في طريق مسيرة شركة الخطوط الجوية السودانية التي كانت تهدف إلى تحديث أسطولها الجوي وصيانته، لكن عوضاً ذلك لجأت إلى الطائرات المستأجرة الأمر الذي رفع من تكاليف التشغيل وسبب لها خسائر متلاحقة خلال السنوات السابقة نتيجة لتقليص نصيبها في السوق العالمي للسفر. فالحظر الأمريكي يُعدُّ من أكبر مهددات السلامة للطيران في السودان وقد ترتب عليه عدم تهيئة الشركة لمواجهة تحديات سياسة تحرير الأجواء التي شرعت فيها سلطات الطيران المدني ولو لا صمود العاملين وكفاءتهم وخبرتهم في إدارة الأزمات لكان الوضع أسوأ مما هو عليه الآن. يقول د. نهار : في ظل هذه الظروف تقوم الشركة بنقل ما يقارب ال ( 600) ألف راكب سنوياً، منهم ( 200 ) ألف على الشبكة الداخلية بنسبة ( 60%) من المخطط وهو نقل مليون راكب سنوياً. فسودانير هي الناقل الرئيس حسب القانون حيث تمثل السودان في (57) اتفاقية ثنائية لخدمات النقل الجوي وبعد انتهاء الشراكة مع مجموعة عارف الكويتية وعودة الشركة إلى أحضان الدولة نأمل أن يُفعَّل قانون الناقل الوطني كما كان الحال سابقاً لتعزيز مكانة الشركة وحمايتها لفترة انتقالية حتى تكون جاذبة للشركاء المحتملين في إطار سياسة الدولة وتوفير الامتيازات والأسعار التفضيلية لها أسوة بالشركات الأجنبية المنافسة. الصيانة أو (...)!! نعم، عادت ( سودانير) إلى أحضان الدولة كما قال وزير النقل والطرق والجسور لكن هل عادت سالمة غانمة؟ الإجابة بكل تأكيد لا، والدليل أن د. أحمد بابكر نهار قال إنها تحتاج الآن إلى: تأهيل طائرات الشركة العاملة حالياً وذلك على النحو الآتي أولاً : طائرة الفوكرز (50 ) وتحتاج إلى ماكينة تكلفتها (650) ألف دولار. ثانياً : طائرة الأيربص (300) وتحتاج إلى ماكينة وعجلات بقيمة ثلاثة ملايين دولار. ثالثاً : الأيربص (320) وتحتاج إلى ماكينة جديدة إضافة إلى صيانة ماكينتين بتكلفة كلية قيمتها عشرة ملايين دولار. أما عن الدعم المادي المطلوب لمشروعات الشركة الأخرى فقال الوزير إنها تتمثل في ما يلي: أولاً: (300) ألف دولار لتطوير قرية الصادر والوارد لمواكبة ثورة الصادر. ثانياً: (2) مليون دولار تدفع كضمان لإيجار طائرتين من شركة طيران الخليج على أن تدفع الشركة الأقساط الشهرية للإيجار. ثالثاً: التصديق بتخفيض 50% من رسوم الطيران المدني. رابعاً: تخفيض مقدر في قيمة الوقود خاصة السفريات الداخلية. ديون مُتراكمة بعد الوقوف على المطلوبات التي تحتاجها شركة الخطوط الجوية السودانية على جناح السرعة لكيما تقوم بالدور المناط بها، يبقى ثمة سؤال عالق هو: هل سودانير الآن ك (يوم ولدتها أمها) مُبرَّءة من الديون بكافة أنواعها ؟؟ الإجابة بكل صدق (لا)، فحسب التقرير الذي تلاه وزير النقل أمام مجلس الولايات فإنَّ الشركة مثقلة بحزمة من الديون تفصيلها كما يلي: مديونيات حكومية وتبلغ (9) مليون دولار (ضرائب + مؤسسات حكومية سيادية + مؤسسات خدمية). أيضاً هناك مديونيات خارجية عاجلة ومهددة للتشغيل وبسببها هناك ملاحقات قانونية لصالح شركة (اسكنا) والتي بلغت (خمسة ملايين) دولار وهى مديونية متراكمة لأكثر من عشرة أعوام. وكذلك توجد مديونية المحطات الخارجية: ( القاهرة، أبوظبي، عمان، الدوحة) وقد بلغت " 2.600.000 " دولار. طائرات قابعة!! إضافة لكل ما قيل لا بُدَّ من الإشارة حسبما ورد في تقرير وزير النقل والطرق والجسور في ما يخص الناقل الوطني أن هناك طائرات قابعة بالورش تحتاج لدعم مالي، حيث تصل التكلفة الكلية للدعم المطلوب لصيانة هذه الطائرات القابعة بالورش إلى مبلغ (288، 12) مليون دولار. كما أن هناك دراسة لشراء طائرتين من طراز ( A320) ركاب، وطائرة A310 شحن جوي، قيمة التمويل المطلوب لشرائها هي (110) مليون دولار. أما في ما يخص الدعم اللوجستي المطلوب لمشروعات الشركة الأخرى فيتمثل في: توفير الضمانات الحكومية لشراء طائرات حديثة. واستعادة مكانة الشركة ناقل وطني رئيسي وتأطير ذلك قانونياً . والعمل وفق مبدأ عدم الممانعة فيما يختص حقوق النقل من الطيران المدني. وتفعيل خدمات المناولة الأرضية التي تمكن الشركة من حماية إيراداتها. ومشكلة أسكنا ( منظمة غرب إفريقيا لتحصيل رسوم الأياتا). في خاتمة التقرير كان لا بُدَّ من التنبيه للمعوقات التشغيلية التي تقف أمام شركة الخرطوم الجوية السودانية وأهمها : الديون الداخلية والخارجية المتوارثة من جراء الخصخصة والتي بلغت " 44" مليون دولار. أيضاً القوى العاملة (العدد، التدريب، الكفاءة) فقد أثقلت كاهل الشركة بالمصروفات وقلة الإيرادات. وكذلك هناك معوِّق آخر يتعلق بالطيران المدني، رسوم هبوط وايجارات، خدمات مختلفة؛ فقد أُعطيت لشركات أخرى علماً بأنها كانت مُحتكرة للخطوط الجوية السودانية.