تعددت آليات الدولة في حربها على الفساد وبدأت بتشكيل آليات رسمية كإنشاء محكمة مختصة بمكافحة الفساد ونهب المال العام كذلك مفوضية مكافحة الفساد ولم تكن قوانين الثراء الحرام والثراء الفاحش و(من أين لك هذا؟) بعيدة عن المشهد بل ظل يستدعيها الرأي العام كلما أعلنت الحكومة خطابا مماثلا، في ظل استمرار حالة التدهور الاقتصادي. المحلل السياسي د.الحاج حمد وصف في حديثه ل(السوداني) الفساد بأخطر القضايا التي تواجه السلطة، معتبرا التطرق لملف محاربة الفساد في خطاب الرئيس الأخير إيجابيا ويعبر عن ضرورة ملحة لمنعطف اقتصادي كثرت فيه قوانين مكافحة الفساد وآلياته دون تفعيل. منوها إلى أن الأمر يحتاج إلى إرادة لجعل حكم القانون هو الأساس. فيما أكد الخبير الاقتصادي د.محمد الناير في حديثه ل(السوداني) أمس، أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمحاربة الفساد والتلاعب بالمال العام بإنشاء آلية لمكافحة الفساد ومفوضية قومية ومحكمة مختصة والمراجع العام من شأنه الحد من الفساد. القطط السمان رغم الحملات المتكررة لمحاربة الفساد التي تقوم بها الجهات الحكومية المعنية بالأمر، إلا أن الفساد ما يزال مستشريا، وطبقا لتقارير إعلامية فقد برزت حملة من تصفهم الحكومة ب(القطط السمان) التي جاء في إطارها ضبط مبلغ 120 مليون دولار بمنزل ضابط متقاعد من جهاز الأمن والمخابرات الوطني، كما شهد الرأي العام رفض البرلمان رفع الحصانة عن أحد أعضائه هو رجل أعمال ويشغل منصب في أحد الأجهزة المصرفية تشتبه الدوائر الأمنية بتورطه في قضايا متعلقة بالاقتصاد حيث رأى البرلمان أن البينات والأدلة التي قدمتها الأجهزة النظامية غير كافية لرفع الحصانة البرلمانية عنه وهو ما أحدث ضجة سياسية وإعلامية وقانونية هائلة، ليتراجع البرمان عن رفضه إزاء الضغط الإعلامي. أعقب ذلك اتهام وزير ووكيل وزارة سابقين بتهمة حول قرض بقيمة 120 مليون يورو ليتم القبض عليهم فضلا عن العديد من الحالات. ويرى د.الحاج أنه من الضروري التعامل مع ملفات الفساد عبر القضاء الحر النزيه لما له من مهنية ربما لا تتوفر في التعامل الإداري مع قضايا الفساد. تقارير دولية ومحلية منظمة الشفافية الدولية صنفت في أحدث تقرير لها، السودان، ضمن أكثر الدول فسادا في العالم، حيث احتل المركز 175 في ترتيب الدول الأكثر شفافية بين 180 دولة عن عام 2017. لكن مسؤولين حكوميين، وفي أكثر من مناسبة، رفضوا اعتماد معايير الشفافية الدولية، وهذه التقارير قوبلت باتهامها لاستهداف السودان وعدم الحيادية من جانب حكومة السودان وعلى الاتفاق بارتفاع معدل الفساد في دواوين الدولة جاء تقرير المراجع العام آنذاك. الموقف الآن المحلل الاقتصادي د.هيثم فتحي يذهب في حديث سابق ل(السوداني)، إلى أن تشديد تطبيق القوانين بكل حزم ضد المخالفين دون تمييز من شانه الجام الفساد لا سيما أن الاقتصاد يحتاج لوجود مؤسسات مستقرة قادرة على تنفيذ العقود وحماية الملكيات ومحاربة الفساد، وأضاف أن العبرة في نجاح الحملة استرداد الأموال المنهوبة وليس في الاعتقالات. الحملة على الفساد بدأت وقتها باعتقال مسوؤل الأمن السياسي السابق اللواء عبد الغفار الشريف، ومسؤول استيراد السكر بشركة السكر السودانية الحاج علي حاج. علاوة على مجموعة من التجار منهم علوي عبد الله درويش، ومحمد الحسن ناير، وعكاشة محمد أحمد –الذي قيل إنه انتحر في زنزاته نهاية الأسبوع الماضي-، والواثق الفاضل– تم الإفراج عنه خلال اليومين الماضيين- ومصطفى الصديق البطحاني، وعصمت المرضي، ثم المدير العام لبنك فيصل الإسلامي الباقر أحمد نوري، عطفاً على العضو المنتدب لشركة سكر كنانة عبد الرؤوف ميرغني. وتواصلت الحملة باعتقال ثلاثة من العاملين كمديري شركات في قطاع النفط أبرزهم حمد بحيري، وغاندي معتصم، وأحمد أبوبكر، بالإضافة لاعتقال مدير عام هيئة الأقطان محيي الدين علي أحمد، وأخيراً اعتقال الشقيقين وليد ومحمد فايت. بعد أيام من فترة الاعتقال أفرجت السلطات عن العضو المنتدب لشركة سكر كنانة عبد الرؤوف ميرغني وهو ذات ما حدث لمحيي الدين. فقدان جاذبية وبين أخبار الاعتقالات وإطلاق سراح الموقوفين لا يجد الشارع السوداني تغييرا يذكر على معيشته اليومية الأمر الذي جعل أخبار الحملة مع مرور الأيام تفتقد جاذبيتها الأولى وسط تشكيك في الإرادة السياسية للحزب الحاكم. الخبير الاستراتيجي د.الهادي المهدي يذهب في حديثه ل(السوداني) إلى أن الحرب على الفساد تمثل مطلبا داخليا وخارجيا لاعتبارات تتعلق بتحسين سمعة الحزب الحاكم قبل انتخابات 2020م وتعزيز مكانة وسمعة السودان المالية والإدارية عبر مؤشرات النزاهة ومكافحة الفساد وهو ما ينعكس بشكل إيجابي في جذب الاستثمارات. ويلفت المهدي إلى أن حملة مكافحة الفساد بدأت تفقد بريقها ولم ترق لتوقعات الشارع بعد أن لم تنعكس بشكل إيجابي على انخفاض أسعار السلع وتوفرها مشيرا إلى أن الرأي العام بدأ ينظر لها باعتبارها مجرد صراع لمراكز قوى وتصفية حسابات لأجنحة متصارعة داخل الحزب الحاكم. رئيس منظمة الشفافية السودانية الطيب مختار يقول إن مكافحة الفساد لن تتم إلا من خلال منظومة متكاملة بين السلطات الرسمية والمجتمع المدني والإعلام، مشيرا إلى أن اي نقص سيشكل ثغرة تسمح بتسرب المفسدين. ويشير مختار لضرورة وجود استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد عبر منظومة وطنية طوعية ورسمية، فضلا عن إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد وإجازة قانون لحامية المبلغين عن الفساد إضافة لتفعيل قانون الحصول على المعلومة بالنسبة للإعلام وإعطائهم الحرية اللازمة.