أخر التسريبات عن حرب الخرطوم ضد الفساد توجيه نيابة أمن الدولة تهماً جديدة لمالك مطاحن (قنا) للغلال محمد يوسف الخطيب، بينما أحالت النيابة المتهمين محمد يوسف الخطيب ومدير بنك فيصل السابق الباقر النوري ورجل الأعمال وليد الفايت إلى سجن كوبر، بعد أن كانوا بمعتقلات السلطات الأمنية. وبحسب تسريبات صحفية فإن النيابة حولت المتهمين عقب توجيه التهم لسجن كوبر، تمهيداً لاحالتهم للمحاكمة بعد اكتمال التحقيقات. ويقول المحلل الاقتصادي د. هيثم فتحي إن تشديد تطبيق القوانين بكل حزم ضد المخالفين دون تمييز من شأنه إلجام الفساد لاسيما وأن الاقتصاد يحتاج لوجود مؤسسات مستقرة قادرة على تنفيذ العقود وحماية الملكيات ومحاربة الفساد. ويقول فتحي إن العبرة في نجاح الحملة استرداد الأموال المنهوبة وليس في الاعتقالات، لافتاً إلى أن التقارير أفادت بأنه منذ انطلاق الحملة على المصارف تمت إعادة قرابة 30 مليون دولار لخزينة بنك السودان المركزي. وهنا يتبادر للذهن أن الحملة على الفساد قد تأخذ مسارات غير مرئية لاسترداد الأموال عبر التسويات أو اللجان المحاسبية التنظيمية –سيناريو فندق ريدسون الرياض-. وقدم النائب العام مولانا عمر أحمد محمد (9) متهمين للقضاء وذلك عقب فترة وجيزة من الاعتقالات التي طالت رجال المال والأعمال، فيما تم تجميد أرصدة (8) متهمين بالفساد. الحملة على الفساد بدأت باعتقال مسؤول الأمن السياسي السابق اللواء عبد الغفار الشريف، ومسؤول استيراد السكر بشركة السكر السودانية الحاج علي حاج. علاوة على مجموعة من التجار منهم علوي عبد الله درويش، ومحمد الحسن ناير، وعكاشة محمد أحمد –الذي قيل إنه انتحر في زنزاته نهاية الإسبوع الماضي-، والواثق الفاضل–تم الإفراج عنه خلال اليومين الماضيين-، ومصطفى الصديق البطحاني، وعصمت المرضي، ثم المدير العام لبنك فيصل الإسلامي الباقر أحمد نوري، عطفاً على العضو المنتدب لشركة سكر كنانة عبد الرؤوف ميرغني. وتواصلت الحملة باعتقال ثلاثة من العاملين كمديري شركات في قطاع النفط أبرزهم حمد بحيري، وغاندي معتصم، وأحمد أبوبكر، بالإضافة لاعتقال مدير عام هيئة الأقطان محيي الدين علي أحمد، وأخيراً اعتقال الشقيقين وليد ومحمد فايت. بعد أيام من فترة الاعتقال أفرجت السلطات عن العضو المنتدب لشركة سكر كنانة عبد الرؤوف ميرغني وهو ذات ما حدث لمحيي الدين. فقدان جاذبية وبين أخبار الاعتقالات وإطلاق سراح الموقفين لا يجد الشارع السوداني تغييراً يذكر على معيشته اليومية الأمر الذي جعل أخبار الحملة مع مرور الأيام تفتقد جاذبيتها الأولى وسط تشكيك في الإرادة السياسية للحزب الحاكم. يقول الخبير الاستراتيجي د. الهادي المهدي إن الحرب على الفساد تمثل مطلباً داخلياً وخارجياً لاعتبارات تتعلق بتحسين سمعة الحزب الحاكم قبل انتخابات 2020 وتعزيز مكانة وسمعة السودان المالية والإدارية عبر مؤشرات النزاهة ومكافحة الفساد وهو ما ينعكس بشكل إيجابي في جذب الاستثمارات. ويلفت المهدي إلى أن حملة مكافحة الفساد بدأت تفقد بريقها ولم ترق لتوقعات الشارع بعد أن لم تنعكس بشكل إيجابي على انخفاض أسعار السلع وتوفرها مشيراً إلى أن الرأي العام بدأ ينظر إليها باعتبارها مجرد صراع لمراكز قوى وتصفية حسابات لأجنحة متصارعة داخل الحزب الحاكم. رئيس منظمة الشفافية السودانية الطيب مختار يقول إن مكافحة الفساد لن تتم إلا من خلال منظومة متكاملة بين السلطات الرسمية والمجتمع المدني والإعلام مشيراً إلى أن أي نقص سيشكل ثغرة تسمح بتسرب المفسدين. ويشير مختار إلى ضرورة وجود استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد عبر منظومة وطنية طوعية ورسمية فضلاً عن إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد وإجازة قانون لحماية المبلغين عن الفساد إضافة لتفعيل قانون الحصول على المعلومة بالنسبة للإعلام وإعطائهم الحرية اللازمة. ويحذر د. الهادي المهدي من فشل الحرب على الفساد ويقول:" إذا لم تحقق الحملة الأهداف المرجوة منها فستنقلب لنتائج عكسية وسيدفع المؤتمر الوطني فاتورتها سياسياً في الانتخابات القادمة سواء عبر التصويت لمعارضيه أو العزوف تماماً عن المشاركة في العملية الانتخابية". وفي كل الأحوال يمكن القول إن الحرب على (القطط السمان) يجب ألا تتوقف عند اصطيادها وتوقيع العقوبات القانونية عليها، بل تسير على عدة محاور يُكمّل بعضها بعضاً، أبرزها خلق منظومة فاعلة لمحاربة الفساد، ومن ثم مطاردة الفاسدين الهاربين بأموالهم إلى الخارج ومعاقبتهم وإعادة تلك الأموال دون تمييز أو حصانة لأحد، صحيح أن مثل هذه الترتيبات قد تستغرق بعض الوقت للتدقيق في الشبهات والتحري حولها إلا أنها من الممكن أن تكون أساساً مناسباً لمعالجة آفة الفساد، عبر استراتيجيات تجعل المسؤولين "لا يستطيعون ولا يجرؤون ولا يرغبون في ممارسة الفساد".