نظرًا لطبيعة الانقلابات العسكرية التي وقعت بالسودان يرى مراقبون أن الانقلابات العسكرية في السودان كانت استمرارا للعملية السياسية بوسائل أخرى تزداد حالة الصراع والاستقطاب السياسي تتزايد فرص الانقلاب، إلى جانب ارتباطها الوثيق بالسياسيين المدنيين. وبالنظر إلى انقلاب الفريق إبراهيم عبود فقد ذكر للجنة التحقيق التي شكلت للتقصي في وقوع انفلاب 17 نوفمبر إلى اتصال رئيس الوزراء عبد الله خليل، وأخبرهُ أن الوضع السياسي يسير من سيئ إلى أسوأ، وأن أحداثاً خطيرة ومهمة قد تنشأ نتيجة لهذا الوضع، ولا يوجد مخرج غير استلام الجيش للسلطة. كانت الأوضاع السياسية تشير إلى أن مساعي التقريب بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديموقراطي على وشك أن تنجح في تشكيل حكومة جديدة تقصي حزب الأمة بقيادة عبدالله خليل من الحكومة. لذا قرر عبد الله خليل التضحية بالنظام الديموقراطي قبل أن تعتلي السلطة الحكومة الجديدة. مجلس جديد عبد الفتاح في أول بيان لهُ أمس أعلن عن تشكيل حكومة مدنية بجانب المجلس العسكري وفترة انتقالية لمدة عامين، إلى جانب إلغاء حظر التجوال وتهيئة المناخ السياسي وإعادة هيكلة وتفكيك مؤسسات الدولة التي نشأت على محاصصات حزبية. من جانبه يشير اللواء أمين إسماعيل مجذوب في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن تكوين المجالس العسكرية يأتي من نوعين انقلاب عسكري عبر مجموعة من الضباط تتولى السيادة ثم تنشئ مجلس وزراء، والثاني عندما يحدث تنحٍّ يتم من خلاله الاستيلاء على السلطة ثم التشاور مع القوى السياسية لتشكيل حكومة مدنية انتقالية عبر التشاور مع القوى المدنية والأحزاب الساسية. ويرى مجذوب أن التجربة السودانية تجربة فريدة ولدى القوات المسلحة خبرة متراكمة، لافتًا إلى ضرورة التواصل بين القوى الأخرى والمؤسسة العسكرية للوصول لحل يُرضي الطرفين. من جهته يرى الخبير الاستراتيجي الهادي أبو زايدة في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أنهُ من المبكر الحديث عن شكل العلاقة ما بين المجلس العسكري والحكومة المدنية، مشيرًا إلى أن للتوجه السياسي دور في ذلك، معتبرًا أن عهد سوار الذهب كان مختلفًا لجهة وجود نقابات. وأضاف: شكل التعامل والعلاقة مبني على شكل الحكومة إذا كانت تكنوقراط أو غيرها، لافتًا إلى أن السياسة الخارجية مبنية على مصالح لكن تحكمها أيضا الأيدولوجيا التي لا زالت غير واضحة حتى الآن. بالمقابل، يرى المحلل السياسي الحاج حمد في حديثه ل(السوداني) أمس، أن شكل العلاقة ينبغي أن يكون مثل مجلس سوار الدهب، داعيًا إلى ضرورة أن يكون للقوات المسلحة ممارسة سياسية لتلافي وجود مؤمرات انقلابية. أبرز المجالس عندما أعلن الفريق إبراهيم عبود استيلاءه على الحكم أعلن عن تشكيل المجلس العسكري، ضمت حكومة عبود إلى جانب العسكريين عددا من الوزراء المدنيين، ثم أصدر جملة من القرارات والمراسيم حل بموجبها الأحزاب السياسية كلها ومنعها من ممارسة العمل وصادر دورها وضيّق على حرية الصحافة، شكل الحكم العسكري حكومة مدنية من التكنوقراط حاول من خلالها التصدي للمشكلات الأساسية الثلاث للبلاد. وعقب احتجاجات شعبية ضد نظام عبود أعلن عن استقالة حكومته وحل المجلس العسكري، ووافق على تشكيل حكومة انتقالية برئاسة سر الختم الخليفة، وبقي الفريق عبود رئيسا للدولة حتى حل محله مجلس رئاسي يتكون من خمسة أعضاء لتبدأ فترة الديمقراطية الثانية. انقلاب النميري في 25 مايو عام 1969 قاد العقيد جعفر محمد نميري انقلابا بمشاركة من الحزب الشيوعي السوداني والقوميين العرب. واستمر النميري في الحكم 16 عاما وتخللت حكمه عدة انقلابات، وعند الاستيلاء على السلطة أعلن عن مجلسين هما: مجلس قيادة الثورة برئاسته بعد أن ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء (ثم لاحقا إلى رتبة مشير)، ومجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964 احتجاجاً على قرار حل الحزب الشيوعي السوداني. وبدأت المؤسسة العسكرية في توسيع نفوذها عبر إقامة مؤسسات اقتصادية، فأنشأت المؤسسة الاقتصادية العسكرية التي أدارت أعمالاً اقتصادية متنوعة للقوات المسلحة امتد أثرها للمدنيين واستمرت أوضاع الحكومة المايوية متأرجحة في تحالفاتها مع القوى السياسية، لكن ظلت شخصية الرئيس نميري هي المحورية. وبدأ أداء النظام في التدني، مع ازدياد انعزاله تدريجياً. انتفاضة أبريل 1985 هي ثاني ثورة شعبية تحدث في السودان بعد ثورة أكتوبر 1964، تطيح بحكم عسكري. فقد خرجت الجماهير في كل أركان العاصمة والإقليم، مطالبين بإنهاء حكم نميري، في 27 مارس حتى 6 أبريل 1985. وكان نميري قد غادر إلى الولاياتالمتحدة للعلاج، وانحاز الجيش بقيادة رئيس الأركان وقتها المشير حسن عبد الرحمن سوار الذهب للشعب في السادس من أبريل 1985م، وكان وقتها وزيرا لدفاع النميري، وحكم لمدة عام في الفترة الانتقالية وسلم الحكم طواعية بعد انتخابات حرة جاءت بحكومة الصادق المهدي المنتخبة في عام 1986م. انقلاب يونيو في 30 يونيو العام 1989م جاء انقلاب الرئيس عمر البشير بمساعدة الإسلاميين وقد تعرض النظام لعدة محاولات انقلابية خاصة في بداية عهده، أشهرها المحاولة التي عرفت ب(انقلاب رمضان) في 1990 بقيادة اللواء عبد القادر الكدرو، واللواء الطيار محمد عثمان حامد، وهي المحاولة التي انتهت بإعدام «28» ضابطا في الجيش المشاركين فيها بمن فيهم قائدا الانقلاب، الكدرو وحامد، كما وقعت في عام 1992 محاولة انقلاب بقيادة العقيد أحمد خالد نسبت إلى حزب البعث السوداني. الثورة الشعبية في سبتمبر من العام 2018م اندلعت احتجاجات شعبية بالبلاد انتهت بخلع الرئيس عمر البشير حيثُ أعلن وزير الدفاع السابق عوض بن عوف الإطاحة بعمر البشير بعد 30 عاما أمضاها في الحكم، وأعلن اعتقاله واحتجازه "في مكان آمن" وتولى "مجلسا عسكريا انتقاليا" السلطة لمدة عامين، بيد أن الشارع السوداني أبدر رفضه لابن عوف ورئاسته للمجلس العسكري، وواصل المتظاهرون اعتصامهم أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة حتى أعلن بن عوف أمس الأول تنازله عن رئاسة المجلس وتعيين المفتش العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان.