يلاحظ أن مصطلح (العنف ضد المرأة) هذا قد حُصر أو اختزل أمره فيما يقوم به الزوج من ضرب لزوجتهِ جسيماً كان أذاهُ أو بسيطاً، فأول ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاقنا لهذا المصطلح (العنف ضد المرأة) هو ذلك الذي مثلنا به من ضرب الرجل لزوجتهِ، وكأن ضرب الرجل لأختهِ أو موليتهِ أياً كانت درجة قرابتهُ منها هو أمرٌ مباح وجائز مع أنه يدخل فيما يعرف بالعنف الذي في معنى الضرب والذي هو موجّه من الرجال للنساء، فالمرأة المعنفة من قِبل الرجل ليست بالضرورة أن تكون زوجة حتى يتسنى لنا إدخال ذلك العنف تحت مسمى العنف ضد المرأة. إذن هذه التسمية أو هذا المصطلح (العنف ضد المرأة) إذا ما حُصر في ذلك فقط كان معيباً وغير شامل، وحتى عند من يدخل العنف اللفظي في مصطلح العنف ضد المرأة والذي قد يجرح به المُعنِّف شخصاً آخر فإن ذلك لا يسجل إدانة للرجل كزوج مثل ما هو ثابت بحقهِ في الضرب البدني، فالعنف اللفظي والذي في تقديري هو أشد وآلم من الأذى الجسمي بل جُرحهُ قد لا يندمل أبداً فللنساء نصيبٌ منه وقدر عظيم تجاه الرجال وغالباً ما تكون أسباب العنف من الرجال تجاه الزوجات بعد صدور عنف لفظي من الزوجة تجاه الزوج، وبالطبع هذا ليس لتبرير عملية رد الفعل وإنما فقط لبيان أن ثمة عنف لفظي من النساء تجاه الأزواج قد يكون سبباً في عنف مقابل تجاه الزوجة. إذن وبعد هذا التوضيح الذي ربما يبرئ الرجال من كون جعلهم الممارس الوحيد للعنف مع الحكم ببراءة المرأة فأقول: إذا ما اعترف الرجال بإدانتهم بالقيام بعنف يدوي تجاه زوجاتهم فلابد أن يعترف الجميع كذلك بأن هناك عنف لفظي متبادل بين الأزواج والمرأة لها نصيب في ذلك تجاه الزوج لا يقل عن نصيب الرجل تجاهها إن لم تزد عليه، كما أن هناك عنف موجّه ضد المرأة من المرأة نفسها تجاه بناتها أو من تعولهم بالضرب أو باللفظ ومنه ماهو من الرجال تجاه من يعولون من النساء من أخوات وبنات وموليات، ولايخفى أيضاً عنف آخر مؤلم وهو موجه من الوالدين تجاه من يعولون من أبناء فتجدنا نضرب من هو في سن الرابعة أو الخامسة وهو لا يدري فيمَ ضُرب، ونحرج أبناءنا أمام الكبار أو الصغار من إخوانهم أو أصدقائهم، ولا شك أن هذا نوعٌ من العنف ربما صاحبت آثارهُ النفسية الشخص طوال حياتهِ، مع أنني أوقن تماماً بأن عقوق الأبناء هو من أسوأ أنواع العنف ضد الآباء والأمهات وربما عجّل الله العقوبة فيه في الحياة الدنيا قبل الممات. ولذلك في تقديري أننا نسمي أحياناً ونصطلح على قضايا كبيرة وعامة بمصطلحات ومسميات هي ليست بجامعة للمراد فلماذا لا نجمع ذلك كله في الحديث عن (العنف الأسري) ليدخل فيه الضرب والعنف اللفظي وسائر أنواعهِ ليس فقط فيما يخص اعتداء الأزواج على بعضهم البعض وإنما هو كل ما يمكن أن يكون اعتداء من الرجال ضد النساء الزوجات وغيرهن أو اعتداء النساء على بعضهن البعض وعلى أبنائهن. ثم إن الظن بأن القوانين واللوائح كافية لعلاج تلك الظواهر السالبة في مجتمعاتنا وأسرنا هو ظن خاطئ، فإن تلك الأمور لايتم علاجها إلا بالسعي نحو تعميق معاني التديُّن ونشر الخُلق الإسلامي بين الناس وتكوين آراء عامة في تلك القضايا حتى يحاصرها المجتمع، ومعلوم أن القيم إذا ما حرست برقابة مجتمعية كان ذلك أقوى من الاعتماد على القوانين واللوائح، فالثقافة الإسلامية والتعاليم الدينية تكتسب سلطانها من هيبتها بشكل ذاتي في حين أن الدولة هي التي تقوم بتطبيق القانون والملاحقة، ومعلوم أن القوانين أصلاً لم توضع لصناعة قيم وأخلاق وإنما وُضعت لحراستها بمطاردة القلة المتفلتة والشواذ من المجتمعات ولذلك ورد من ضمن ماورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق ما كان في شئ إلا زانهُ وما نُزع من شئ إلا شانهُ)، والرفق يكون بالترفُّق كما أن الحلم يكون بالتحلُّم فإن ذلك كله يمكن أن يكتسب بالدعوة إليه والإكثار من الحديث فيه، فإسلامنا غني بذلك وفيه من الخُلق الحسن ما لا يوجد في كل الإيديولوجيات أو الأديان الأخرى، وكان صلى الله عليه وسلم دائماً مايردد ويقول: (اللهم أحسنت خَلقي فأحسن خُلُقي) وكان خُلقهُ القرآن صلى الله عليه وسلم. كما أنني أوصي بأن نربأ بأنفسنا عن كل ما يمكن أن يُوقِر صدور الرجال تجاه شقيقاتهم النساء وذلك بالابتعاد عن التناول في الخطاب باستخدام عبارات ومصطلحات في هذا الشأن مثل مصطلح (ذكوري) أو غير ذلك من المصطلحات حتى يجد النساء من يتحمَّس من أشقائهم من الرجال لمناصرتهن في كافة قضاياهن، فالمرأة هي الأم والزوجة والبنت والأخت ولا أفلح أبداً من سعى بينهما بالفتنة. وبالله التوفيق