بالأمس كان الحديث عن أهلنا المناصير واعتصام الدامر الذي طال واستطال وكان أكثر من مقال. ولقد تعجب أخ أثير عندي وأنا لا أورد ذكراً لأمر ذي صلة وعلاقة، بل إنه قد طغى على كثير من الأحداث المحلية وطار في الفضاءات الخارجية وذلكم ما تعلق بإغاثة السيد الميرغني التي بعث بها إلى المعتصمين من أبناء المناصير في الدامر وشاءت لها الأقدار ألاَّ تصل إليهم. لم تكن مساحة الأمس ملائمة للتعرض لأمر تلك الإغاثة إذ إن تلك المساحة قد شغلت بجذور المشكلة وآفاق الحلول وهذا قد تطلّب بعداً عن أي إثارة وتركيزاً موضوعياً ومتجرداً على البحث العميق في الجذور وعلى الحلول. ولقد انتهينا إلى أن الحل يكمن في نزع فتيل التحديات والمواجهات والعمل على تهيئة الأجواء لتعميق ما بين كل الناس من احترام يتبادل بمسئولية ورشد. وانتهينا كذلك إلى أن هذا الأمر الذي طال وظلَّ عالقاً لزمن طويل وحظي باهتمام كبير من كافة مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية والدينية وباعترافهم بعدالته وموضوعيته يجب أن يلقى كل أولئك الحرص على مواجهته وحله بالسرعة والجدية اللازمتين حتى يصبح الأمر كله تاريخاً يروى وعبرة يستفاد منها. وذكرنا أنّ الحل يكمن في الفك الفوري للاعتصام حتى تتهيأ الأجواء للسلطة التنفيذية والسيادية أن تتخذ قرارها المناسب وعلاجها الناجع للمشكلة برمته وذلك بتكوين المفوضية التي لا أرى خلافا عليها بل إن ذلك يبدو أمراً بدهياً فكم من الأمور التي تكونت لها المفوضيات وهي لا تسوى جناح بعوضة أمام مشروع عملاق كما سد مروي وما نتج عن إنشائه من أمور أثَّرت على حياة المتأثرين. وأعود اليوم إلى موضوع الإغاثة التي بعث بها السيد محمد عثمان الميرغني، بصفاته العديدة التي يهمنا منها السياسية برئاسته للحزب الاتحادي الديمقراطي ثم الدينية بزعامته وإرشاديته للطريقة الختمية والحزب والطريقة يحظيان بمكانة كبيرة ومؤثرة في الولاية. ليس جديداً ولا مستغرباً أن يبعث حزب أو جماعة بإعانة أو إغاثة للإخوة المعتصمين في الدامر أو من يماثل حالتهم وليس هذا وقفاً على الحزب الاتحادي الديمقراطي أو زعامة وأهل الطريقة الختمية. فالمجتمع السوداني قد قام وجبل على التواصل والتكاتف والتكافل والتعاضد وهذه محمدة لهم ومكرمة من الله عز وجل. ولكن الجديد، الذي يستغرب بحق، هو أن تحتجز تلك الإعانة أو الإغاثة ويرفض أن تصل إلى من بعثت إليهم خاصة وهم في أمس الحاجة إليها وفيها ما يعين أولئك المعتصمين من أغطية والأجواء كما نعلم تميل إلى البرودة إضافة إلى ما تبقى كان يمثل مواداً غذائية. لقد احتجزت تلك المواد الإغاثية في مدينة شندي بواسطة الجهات الحكومية وذهبت كل المحاولات لفكها وإطلاق سراحها أدراج الرياح ليمثل ذلك صدمات عنيفة في أكثر من اتجاه. إن المبدأ أن تصل الإغاثة لمستحقيها بعيداً عن أي حسابات أخرى طالما كانت مواد إغاثية لا غبار عليها ولكن، وفي حالتنا هذه، هناك أسباب أخرى كانت تحتم التعامل مع هذه الإغاثة بعكس ما تم التعامل به تماماً. إن الحزب الاتحادي الديمقراطي حزب مشارك في حكومة القاعدة العريضة وقد جاءت مشاركته تقديراً منه للظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد وقبل الحزب بأقل مما عرض عليه في مرحلة سابقة وكل ذلك تقديراً، كما ذكرنا، لظروف هذه المرحلة. إذن فالحزب الاتحادي الديمقراطي، مرسل القافلة الإغاثية، حزب شريك في السلطة وكان من المتوقع أن تسعد السلطة، اتحادية كانت أو ولائية، بخطوته هذه وترى فيها فرصة مواتية يتدخل من خلالها الحزب وسيطا مقبولا من طرفي النزاع بصورة تنهي ذلك النزاع لا أن تحتجز المواد ويمنع وصولها لترسل رسالة خطيرة مفادها هشاشة وضعف ما يربط بين حزبين شريكين في حكومة قاعدة عريضة.