تشييعه مهيب حضره الميرغني أبوحريرة.. ورحل قاهر التسعيرة تقرير: محمد حمدان هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته "أبو حريرة هزم التسعيرة" .. كان هذا هتاف الثمانينات بعد أن استبد الجشع والطمع بالتجار وأسلوب التخزين وتجفيف السوق لجأ أبوحريرة لاتخاذ قرارات ثورية بوزارة التجارة وعلا نجمه ولكن تكالبت عليه الظروف وترك الوزارة بعد أن خلد فيها أفكاراً جديدة وتجربة ثرة وسيرة عطرة وشهد له الجميع بالنزاهة بعد أن استطاع أن يقزم الطفيليين وأصحاب المصالح وينحاز للغلابة والبسطاء في وزارة ما بعد الانتفاضة. القانون والتجارة شيعت البلاد أمس وزير التجارة الأسبق إبان الحكم الديمقراطي 1985م و عضو الجمعية التأسيسية وأستاذ القانون بجامعة الخرطوم د.محمد يوسف أبو حريرة، وتداعت حشود جماهيرية ضخمة فى تشييع الراحل بحضور زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني الذي أم صلاة الجنازة على الراحل بحضور عدد من قادة القوى السياسية والطرق الصوفية. وارتجل الميرغني كلمة قصيرة ترحم فيها على الفقيد معدداً مآثره ودوره الوطني البارز داعياً المولى أن يتقبله القبول الحسن. و شارك الميرغني في حمل نعش الفقيد كما حضر التشييع مساعد رئيس الجمهورية جلال يوسف الدقير والسيد عبد الله المحجوب الميرغني وأحمد سعد عمر وزير مجلس الوزراء وصديق محمد علي الشيخ نائب والي الخرطوم ووزير المالية بالولاية ممثلاً للوالي عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم و محمد يوسف الدقير وزير الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم. ومعتمد شرق النيل بالإضافة إلى عدد من قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي تقدمهم ميرغني عبد الرحمن سليمان و بخاري الجعلي فيما شكلت قبيلة البطاحين التي ينتمي إليها الراحل حضوراً كبيراً في التشييع.والقى مدير هيئة شؤون الختمية كلمة باسم السيد محمد عثمان الميرغني تناول فيها سيرة الفقيد وما عرف عنه من سماحة وطيب معشر، وقال إنه كان خير ممثل لأهله في الجمعية التأسيسية وعرف الفقيد بأنه رجل صاحب مبادئ ومواقف مشهودة. نشأ أبو حريرة بشرق النيل وهو ينتمى إلى قبيلة البطاحين ويعد أبوحريرة من البيوتات البارزة بالبطاحين، وكان أشهر وألمع وزير للتجارة حيث انحاز إلى طبقات الشعب الكادحة وانتهج سياسيات لكسر الاحتكار ورفع المعاناة عن الجماهير ويتميز الراحل بالجراءة في اتخاذ قراراته وله مواقف صلبة بحسب مجائليه يشير البعض إلى أن الرجل عندما لم يجد نفسة بالوزارة وضاقت عليه المحن تقدم باستقالته منها تاركاً الجمل بما حمل وهاجر أبوحريرة إلى خارج الوطن حيث عمل مستشاراً لوزارة العدل بكل من سلطنة عمان ودولة قطر، ومن ثم عاد للوطن إلى أن توفي صباح أمس. العديد من طلابه والمقربين منه يعتبرون الرجل نموذجاً للخلق الرفيع والطهر والنزاهة والشجاعة وكان يجسد كل المعاني والقيم الإنسانية النبيلة. نوايا لم تكتمل تباينت الآراء حول خلفية الرجل السياسية فالمتفق عليه أنه كان من أبرز أساتذة القانون بجامعة الخرطوم وذي توجهات يسارية ليبرالية أقرب إلى الأحزاب اليسارية ولكن في الديمقراطية الثالثة فاز الرجل في أحد دوائر شرق النيل باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي متغلباً على منافسه الآخر الأمين العطايا مرشح الجبهة الإسلامية، مما مكنه من دخول الجمعية التأسيسية المنتخبة في الديمقراطية الثالثة وعندما شكلت الحكومة تولى وزارة التجارة السودانية. يقول البعض إن الرجل لم يكن اتحادياً ولكن ترشح باسم الحزب الاتحادي وفاز في إحدى دوائر شرق النيل ويقول القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي تاج السر محمد صالح ل(السوداني) إن معرفتهم بالرجل أتت بعد 1985م مشيراً إلى أن الرجل مولع بالحماس والتغيير وادخل بعض الاصلاحات على وزارة التجارة الخارجية لكن القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي د. علي السيد ينفي أي حديث يشكك في انتماء الرجل للحزب الاتحادي دامغاً من يقولون ذلك الحديث بمواجهة الإصلاحيين في الحزب ومحاولة اتهامهم باليسارية والشيوعية ويؤكد السيد في حديثه ل(السوداني) أن الراحل يعد من أبرز المناضلين للإصلاح داخل الحزب الاتحادي كما أنه كان من الناشطين في العمل السري في التجمع الوطني الديمقراطي إبان سني الإنقاذ الأولى وواجه اعتقالات إلى أن هاجر وأضاف بعد عودته قاد الرجل وأجرى حوارات مع عدد من التيارات الاتحادية لتوحيدها إلا أنه لصعوبة الأمر لم يحالفه الإصلاح وله أجر المحاولة كما قال السيد في حديثة لذا يبدو أن نوايا أبوحريرة لم تكتمل في توحيد الاتحاديين. صراع ومواقف أبوحريرة يعد من أبرز السياسيين جراءة وإقدام على مواقفه وقد دخل الراحل في صراع عنيف أثناء توليه لوزارة التجارة واتخاذه لقرارات أثارت جدلاً واسعاً انتهت به إلى تقديم استقالته مجبراً وأبرز تلك القرارات قرار استيراد الضأن من استراليا وبالرغم من المبررات التي قدمها الرجل في أن فرق السعر الذي يتمثل في انخفاض أسعار الضأن المستورد من أستراليا مقارنة بأسعار الضأن السوداني بالإضافة إلى ارتفاع أسعار صادرات الضأن السوداني خارجياً إلا أن مبررات الوزير لم تصمد أمام عاصفة الانتقادات التي وجهت له ويقول الكاتب الصحفي سيف الدولة حمدنا الله عبدالقادر إن قرارات أبوحريرة التي اتخذها بصفته الوزارية في صالح المواطنين أدت لتعرضه لغضب وهجوم أقطاب حزبه من التجار ، فأذعنت قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي لضغوط التجار ، وأعربت عن وقوفها إلى جانب التجار وتخليها عن أبي حريرة ، ثم ازداد عليه الهجوم إثر تقديمه لمذكرة لمجلس الوزراء حوت اتهامات صريحة في حق مبارك الفاضل الذي كان يشغل منصب وزير الصناعة ، قابلها رئيس الوزراء (الصادق المهدي) بسخرية في غير موضعها حين قال : (أبوحريرة شمَّ شطٌه فعطس) ، ويقصد أن عليه أن يبتعد عن منطقة الأشواك ، فأدرك أبوحريرة أنه يقود – لوحده – معركة خاسرة ضد حزبين ، فتقدم باستقالته من الوزارة ، ويستطرد سيف قائلاً إن تلك الفترة شهدت أول تجمع تلقائي ل(الأغلبية الصامتة) ، حيث وقفت كل القوى الحديثة والنقابية بقوة خلف الدكتور أبوحريرة ، وتدافع جمهور العاصمة لحضور الندوة السياسية التي أقامها أبوحريرة بدار المهندس بالعمارات، التي أوضح فيها ما يدور في دهاليز الحكم من صراع وفساد ، وقد برزت في تلك الفترة أصوات تنادي بميلاد حزب سياسي بقيادة الدكتور أبوحريرة ، بيد أن أبا حريرة لم يشأ أن يضع نفسه في مرمى الاتهام بتضخيم الذات، وهو ذات الموقف الذي أكده القيادي الاتحادي علي السيد حيث اعتبر أن بعضاً ممن اسماهم السيد بالانتهازيين من رجال الحزب ومعظم رجال الأعمال من السودان وقفوا ضد قراراته في الوزارة ليجد الرجل أنه يقف لوحده دون سواه في مواجهة نيران التجار غير أن السيد يؤكد أن الرجل كان متألماً من موقف ذوي القربى من رجال الحزب الاتحادي ضد قراراته، بيد أن القيادي الشاب بالحزب الاتحادي والكاتب الصحفي بابكر فيصل أشار إلى أن أباحريرة دخل السياسة من باب الأكاديميا وبرز نجمة في أعقاب هزيمته لمنافسه الأمين العطايا مرشح الجبهة الإسلامية القومية وقتها في دائرة البطاحين بشرق النيل ويضيف بابكر في حديثه ل(السوداني) أن المنافسة كانت شرسه بينه ومرشح الجبهة الإسلامية لكن بحسب بابكر أن قرارات أبوحريرة بوزارة التجارة وما أحدثته من تداعيات قادت لاحقاً إلى حل الحكومة نفسها بيد أنه يؤكد زهد الرجل في العمل السياسي ، الرجل نبيل وذو مبادئ ومواقف رحمه الله رحمة واسعة.