** معركة (ذات النفايات)، والتي تدور رحاها بين الأخ الأستاذ الفاتح جبرا وبعض أجهزة الدولة، تكشف بعض ملامح الدولة..فالأخ جبرا لم يرفض تسديد رسوم النفايات بحيث يساق إلى قاعات المحاكم وعلى ظهر عربة تايوتا ك(أي مجرم)، وكذلك لم يطالب بتخفيض تلك الرسوم بحيث يهدر وقته وجهده بين مكاتب النيابات ومكاتب أخرى.. بل، مثل أي مواطن صالح، يطالب الأخ جبرا السلطات الحكومية بتحصيل تلك الرسوم بواسطة (أورنيك 15)، وما يطالب به هو ما ينص عليه قانون المال العام وتلزم به وزارة المالية كل وحدات الحكومة الجبائية، مركزية كانت أو ولائية أو محلية.. نعم، عدم تحصيل أي رسم بغير الأورنيك المعتمد والصادر عن وزارة المالية نوع من أنواع (الفساد المالي)، حسب تقارير المراجع العام.. وعليه، هذا الحدث - مثل أحداث سابقة - يكشف أن البعض النافذ في مفاصل السلطة التنفيذية أقوى من الدولة ودستورها وكل قوانينها، ولذلك (يفسدون ويجنبون)، ليُحاكم - إنابة عنهم - الأخ جبرة وغيره من الذين يجهرون بين الحين والآخر ب(لا للفساد)..!! ** وللأسف، بعلم كل سلطات الدولة، السيادية منها والعدلية، تجاوز البعض (مرحلة الفساد) إلى (مرحلة الإفساد).. وأن يكون المسؤول فاسداّ ومتجاوزاّ قوانين مجتمعه، أمر مقدور مكافحته بالمحاكم والصحف.. ولكن، أن يتجاوز المسؤول مرحلة فساده الخاص وتجاوزه الشخصي إلى مرحلة (إفساد مجتمعه وقوانينه)، فهنا مكمن الداء الذي لاتداويه المحاكم والصحف.. وتفاصيل قضية الأخ جبرا تضج بنماذج (إفساد القوانين)، وهو إفساد مراد به (تقنين الفساد)، أي إكسابه للشرعية بحيث لايبدو للناس (فساداً)..!! ** على سبيل المثال، بإحدى محاكم أمدرمان، يسلم الأخ الفاتح قاضي المحكمة نسخة من قانون الإجراءات المالية للعام (2007)، وهو القانون المعمول به حالياً، ثم يخطره بأن هيئة نظافة الخرطوم خالفت ثلاث مواد من هذا القانون، ومنها عدم تحصيل أي مال عام من أي مواطن إلا بواسطة (أورنيك 15)، أو هكذا مرافعة الأخ جبرا.. ولكن المحكمة تغض الطرف عن ذاك القانون ومواده، وترد على المرافعة بإفادة نصها: لا، الهيئة لديها تفويض صادر عن المدير العام الأسبق لوزارة المالية، محمد عثمان الخليفة، بتاريخ (1 فبراير 2003)، حيث فوضها بطباعة واستخدام إيصالاتها الخاصة، وأن يكون إيصالها بديلاً ل (أورنيك 15)..هكذا قوة تفويض المسؤول الأسبق محمد عثمان الخليفة، إذ صارت قوة تفويضه - بقدرة قادر - أقوى من دستور الدولة وكل سلطات الدولة، بما فيها السلطة القضائية التي تحتفظ بالتفويض وتلغي به (القانون).. نفهم - ونتفهم - أن يتجاوز محمد عثمان الخليفة قانون المال العام بإصدار ذاك (التفويض المعيب)، وكذلك نفهم - ونتفهم - ألا يجد محمد عثمان الخليفة سلطة رقابية تحاسبه على ذاك التجاوز في ذاك العام، ولكن كيف نفهم - ونتفهم - أن يصبح تجاوز هذا المسؤول (قانوناً سارياً)، بحيث تعتمده أجهزة الدولة وتفرضه على المجتمع، بل تستشهد به (المحاكم أيضاّ)..؟؟ ** وعليه، ذاك التفويض المعيب، والمخالف للقانون، والمعتمد لدى المحاكم لحد الاحتفاظ بنسخته الأصلية، والمعمول به حالياً، ليس في تحصيل رسوم النفايات فحسب، بل في تحصيل رسوم وغرامات أخرى، نموذج من نماذج (إفساد المجتمع وقوانينه).. فالفاسد لا يفسد ما لم يجد (المناخ الفاسد)، وتجنيب المال العام - أي تحصيله وصرفه خارج الأطر والقنوات الرسمية، ومنها أورنيك 15- بمثابة (مناخ فاسد).. وهذه دعوة، ليست للتضامن مع الأخ الفاتح جبرا فحسب، بل هي دعوة بمثابة تحريض لكل الناس ولأي مواطن.. مقيماً ومكتوياً بنار هذا التفويض كان أو مغترباً عائداً ليكتوي بتلك النار في صالات المطار ومكاتب جهاز المغتربين، (لاتدفع جنيهاً لأية وحدة حكومية ما لم توثق لك الوحدة القيمة المدفوعة في أورنيك 15).. نعم، فليكن رفض المواطن قانوناً، حتى نتبين إن كانت المحاكم تحكم بالقانون أم ب(تفويض محمد عثمان الخليفة)؟؟...