نيالا.. عندما (يغتال الحزن) في دارفور! حماد إسماعيل: ستستمر التنمية حتى في ظل الحرب (...) لهذا السبب عطل الفنان محمد الأمين حالة الطوارئ بالولاية من مناطق المتمرد... طلاب يتحدون الحرب ويجلسون للامتحانات نيالا: خالد أحمد هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته بلسان الدهشة سألتهم من أين جلب أهل نيالا كل هذا الفرح والبهجة لدرجة أنهم يغنون ويرقصون حتى مطلع الفجر، لا تلهيهم عن الابتسام ذاكرة الحرب التي لم تشفَ جراحها بعد، لكنهم قرروا أول أمس أن يعلنون العصيان على الحزن والتمرد على كل المظاهر الحربية، ولكن بعضهم ذكرني بتاريخ المدينة الفرح التي أخذت اسمها من "نّا-لا" وهي تعني بلغة الداجو مكان الأنس والفرح وكأنهم يقولون لي: "كف اندهاشك عنا" فنحن أهل فرح وأن سحابة الحزن ستمضي لتحل الابتسامة من جديد، ولما لا فإنسان أهل دارفور الطيب لماذا لا يفرح ويعيش مثل بقية خلق الله وأن تتبدل الصورة وينطلق القطار نحو السلام والتنمية وليس أكثر. صبيحة الأمس حلق بنا الطائر الميمون صوب حاضرة ولاية جنوب دارفور نيالا لحضور فعاليات ختام المعرض التجاري الاستثماري الثاني الذي استمر أسبوعاً كاملاً بمشاركة (96) شركة خارجية بجانب الشركات المحلية لتعيش مدينة نيالا تجربة فريدة من نوعها، حيث لم يكن المعرض ليس مجرد تظاهرة اقتصادية بل تحول لتظاهرة ثقافية واجتماعية أعطت روح جديدة للمنطقة وخلقت حراكاً ليس له سابق ومن قبله كانت الإشارات ترسل بأن الولاية تعيش في أمان واستقرار تجعل عمل كل شيء ممكناً وأن المجال أصبح مفتوحاً للاستثمار في خيرات الولاية التي لا تنضب، وهذا ماعكسه المعرض بأقسامه المختلفة التي فتحت للزوار وحتى للبيع المباشر بأسعار معقولة مكنت أغلب الأسر من التبضع. نيالا البحير.. المدينة الصاخبة الطريق الممتد من مطار نيالا إلى وسط المدينة يعطيك مساحة لكي تفكر إذا كنت لأول مرة تزور المدينة ستحس بأنها مختلفة والجبال خفيفة الطول التي تحفها تجعلك تعرف أن أهلها يمازجون بين طبيعة أهل الجبال وأهل السهول، وهذا يعني أنهم يجمعون بين القوة واللين وطيبة أهل السهل، وعلى الرغم من أن مدخل المدينة يظلمها، إلا أن الدهشة في وسطها تجعلك تنسى ذاكرة أن دارفور منطقة حرب، فوسطها متطور بأسواق منظمة صاخبة بنشاطها التجاري وتعدد أسواقها حيث أنك إذا بدأت من سوق (أم دفسو) وعرجت على سوق الخضار لتجد الطماطم والجزر خالٍ من الأسمدة والمبيدات لتحسرت، بجانب سوق البصل والعيش وسوق الجنينة وسوق الملجة الذي يشتهر بالفاكهة التي تأتي من جنائن جبل مرة، وإذا انتهيت بزريبة المواشي فتأكد أن أمرك انتهى في صينية شية لن تخرج منها إلا وأنت ممتلئ البطن، وأنت خارج من السوق يصادفك فندق كورال ذو الخمس نجوم يرفع لديك حاجب الدهشة، لتطلع بخلاصة أن المدينة بها حياة وأنها تمضي في طريقها بعيداً عن الحرب، لكن أيضاً لا تنسى أن ذاكرة الحرب تستيقظ من حين إلى آخر في شكل تفلتات أمنية هنا وهنالك خاصة في المدينة، إلا أن قطار الحياة يصر على المضي قدماً. حراك اقتصادي بالعودة للمعرض التجاري الاستثماري المقام بالمدينة فهو كان فرصة تجارية كبيرة حيث نصبت داخل نجيلة استاد نيالا خيم المعرض التي تنوعت من منتجات محلية تزخر بها الولاية، إلى جانب منتجات الشركات الكبرى القادمة من الخرطوم، حيث تم عرضها للجمهور وحتى للبيع المباشر، وبالإضافة لذلك كانت الشركات الكبرى مثل جياد تعرض الآليات الزراعية وتقنيات حديثة بجانب شركة كنانة وبرعاية شركة زين.. المهرجان في يومه الختامي بدأ بمهرجان خطابي بدأه رئيس اتحاد أصحاب العمل بالولاية ياسر علي بالقول أن الولاية بدأت تتعافى من آثار الحرب وويلاتها، وأن الفرح بدأ يعم ونتج عنه هذا الحراك التجاري والثقافي، مشيراً إلى أنهم يتطلعون إلى تنمية مستدامة واستثمار حقيقي في الإنتاج الصناعي والزراعي بالولاية، أما وزير المالية بالولاية ورئيس اللجنة المنظمة آدم محمد فقد دعا لضرورة استمرار قيام المعرض التجاري والعمل على قيام معارض أخرى متخصصة في المجالات الصناعية والتجارية، وكما أطلق وعوداً بقيام البورصة التجارية والميناء البري حتى يكتمل مثلث التنمية والجذب السياحي. في هذه التظاهرة التجارية تدافع بعض المسؤولين من الولايات الأخرى للمشاركة في الملتقى، حيث قال ممثل حكومة ولاية شمال كردفان إبراهيم حسن إن على الولايتين أن تعملان على بناء تحالف تجاري خاصة وأنهما من الولايات المنتجة للصمغ العربي، مشيراً إلى أن طن الصمغ الواحد يساوي 100 برميل نفط مطالباً الدولة بالاهتمام ورعاية الصمغ العربي باعتباره سلعة تجلب العملات الصعبة وأن يتم إعداد دراسة لإنشاء بنك للصمغ العربي لإعادة بناء الصمغ وتمويل المنتجين وتصديره باعتباره سلعة استراتيجية لا تقل أهمية عن البترول، أما وزير المالية بولاية شمال دارفور عبده داوُودُ أوضح بأنه في حالة الاستفادة من الموارد التي تزخر بها دارفور ستخرج من دائرة الحاجة بجانب السعي لبناء تحالف تجاري بين ولايات دارفور، فيما وعد وزير الاستثمار بالولاية عبدالرحمن حسن بفتح باب الاستثمار لكل الراغبين وأن كافة التسهيلات ستكون موفرة للعمل في الولاية في كافة المجالات. الوالي حماد... "وبخرة" الولايات فرحة كبيرة تعلو وجه والي ولاية جنوب دارفور حماد إسماعيل وهو يوزع الابتسامات أثناء حضوره ختام فعاليات المعرض، وهو الذي يتحدث بهدوء ولغة ودودة، حيث داعب ضيوفه من الوزراء القادمين من الولايات الأخرى بأن يتبادلوا المعرفة وأن ياخذوا من بعضهم "بخرات"، داعياً المستثمرين للعمل في الولاية واستغلال الموارد المتاحة والعمل على بناء مصانع تحويلية خاصة وأن نيالا تعد سوقاً استهلاكياً كبيراً لتسويق المنتجات، مشيراً إلى أن المعرض أثبت نجاحه خاصة في الصفقات التي أجريت خلال المعرض، مشيراً إلى أن المعرض الهدف من ورائه أن يأتي الناس ليتعرفوا على الأوضاع في الأرض وأضاف "تعالوا وشوفوا". وعقب المعرض وفي جلسة خص بها الوفد الصحفي، شرح الوالي حماد إسماعيل أبعاد ما تقوم به الولاية، وأشار إلى أنهم يريدون الخروج من دائرة الكلام والوعود لدائرة الفعل والعمل على خدمة المواطنين. لاحظت أن الوالي حماد إسماعيل يركز اهتمامه على العمل الاستثماري والتنموي، ولا يعطي اهتماماً كافياً في حديثه للجانب الأمني والسياسي، وبرر الأمر بأنهم قرروا العمل في كافة الظروف بما فيها الحرب، مشيراً إلى أن الشركة تأتي الولاية وتعرف المخاطر الأمنية، ولكنهم يسعون للإنتاج والسعي للتوسعة في البنيات التحتية خاصة وأن هنالك إشكالات في الكهرباء التي قال إنها ستحل بوصول الخط الناقل القومي القادم من سد مروي لدعم العمليات التنموية، مشيراً إلى أنهم في قضية التمويل لجاؤوا للموارد المحلية والاستفادة منها في التنمية وعمل مزيد من المستشفيات والمدارس والطرق، وقال إنها كلفت لوحدها 13 مليار جنيه، متعهداً بنهاية العام بسفلتة جميع طرق المدينة، مشيراً إلى أنهم أيضاً يسعون في إكمال خط السكة حديد الموازي الذي يضاعف سرعة القطارات ويسهم في تقليل الإشكالات الأمنية ويحد من أزمة الوقود، واعداً باقتراب افتتاح المستشفى التركي الذي اكتمل العمل فيه. وكشف إسماعيل استراتيجية وزارة الاستثمار للمرحلة المقبلة، وقال إنها وضعت دليل المستثمر الذي قال إنه سيكون متاحاً للمستثمر الأجنبي والوطني لتبسيط الإجراءات لأنها ستكون متاحة عبر الشبكة العنكبوتية لكافة المستثمرين في أنحاء العالم، خاصة وأن ولايته تعتبر واحدة من أكثر ولايات السودان التي تتمتع بإمكانيات طبيعية هائلة وبنية تحتية كافية للاستثمار، مؤكداً أن مدينة نيالا تمتلك كل مقومات النهضة الاستثمارية ولكنها لم تجد فرص كافية لتروج لامكاناتها الاستثمارية ليتعرف المستثمرون فيها على فرص الاستثمار. وقلل اسماعيل من الانفلاتات الأمنية التي حدثت بالولاية قائلا: إن مثل هذه الأحداث تحدث في أي مكان إلا أن ما يحدث في ولاية جنوب دارفور يتم تفخيمه لاظهار الولاية بصورة شائهة وكأنها مطربة ومهددة أمنياً، ودعا حكومات الولايات بمراجعة قوانين الاستثمار في ولاياتها حتى يشجعوا المستثمرين ويسهلوا ويحدوا من احتكاكات المستثمرين مع المواطنون، وقال إنه ماضٍ في تنفيذ استراتيجية حكومته دون النظر إلى أي شيء يحدث، مشيراً إلى أنه يدرك أن الطريق به بعض المعوقات إلا أن ذلك لن يثنيهم عن المضي قدمنا في مشروعات التنمية وخدمة المواطنين كافة. طلاب الجبل.. امتحان المتمردين في بعض الأحيان ومهما كانت الخلافات بين أهل السودان إلا أنهم يتناسوها، وهذا ما كان في منطقة جبل مرة التي تقع أجزاء منها تحت سيطرة الحركات المسلحة، وعند اقتراب امتحانات مرحلة الأساس لم يجد أهل الحكومة ولا الحركات المسلحة سبباً لمنع الطلاب في تلك المناطق من الجلوس للامتحانات في مدينة نيالا، حيث جرت تفاهمات غير مكتوبة أعطت أملاً لأجيال لا ذنب لها في أن تحرم من حقها في التعليم، حيث تمكن أكثر من 800 طالب وطالبة بعضهم أمهات من الجلوس لامتحان مرحلة الأساس ولمعرفة أن حب العلم لديهم كبير العديد من الطالبات متزوجات ولديهن أطفال رضع لم يستطعن إلا أن يجلسن للامتحان في تحدٍ لكل آلام الحرب ولتحقيق دفعة كبيرة من الأمل حيث قال لنا الوالي حماد إنه عند تفقد المراكز وجد طالب وأمه يجلسان للامتحان حباً في العلم والتعلم. الباشكاتب.. يغتال حزن دارفور الفرح الذي حدثتكم عنه في أول الكلام نحكي قصته في آخر هذا التقرير حيث خرجت نيالا مساء أول أمس كما لم تخرج من قبل، وعندما قال الوالي حماد اسماعيل مخاطبا الجماهير "سنهديكم ليلة سيذكرها التاريخ" لم أكن أعلم أن الفنان محمد الأمين سيعطر مساء نيالا ويحولها لمهرجان من الفرح ويغتال بشكل واضح الحزن في إقليم دارفور، ولو كانت توجد مكبرات صوت لوددت أن يصل صوت ود الأمين لكل المحزونين من أهلنا في دارفور، خاصة في معسكرات النزوح ليفرحوا قليلاً ويبتهجوا مثل ما ابتهج أهل نيالا، الذين حرصوا على القدوم منذ ساعات النهار واحتلال أماكنهم في الاستاد والأسر جاءت في حلل زاهية وكان اليوم عيداً، وعندما بدأ الاحتفال نوهت المنصة بأن الاستاد ممنوع أن تدخل فيه السيارات سوى اثنتين "الأولى للوالي والثانية لود الأمين"، لتشتعل المدرجات تشوقاً للباشكاتب ليلون حياتهم بالفرح والغناء فرفعت اللافتات خاصة من الحسناوات مطالبين بأغنية "أربع سنين" و"الجريدة" لترقص المدرجات طرباً، ومازح ود الأمين عقب الحفلة البعض منا عندما سأله عن عدم غنائه لأغنية أربع سنين فرد "كنتا خايف يكسروا الاستاد فرحاً"، حيث لم تستطع حالة الطوارئ أن توقف الحفل الذي استمر حتى الساعات الأولى من الفجر وأخذ كل من أهل نيالا حظه من الفرح والأمل في السلام والتنمية.