رُوِّعت القضارف عامة وقبيلة المعلمين خاصة برحيل معلم من معلمي الزمن الجميل: الأستاذ أحمد فضل الله، وتقول بطاقته البروفيسور أحمد فضل الله أحمد "الشايقي". سابقا: أستاذ الإنجليزية ومرشد معلميها حاليا: تلميذ الصوفية ومرشد طالبيها تفتحت عيناه على خلوة جده الخليفة طه ود عوض، تمرغ في ترابها وعرف طعم الحياة في كل أركانها، فالتقط خيوط المعرفة من كل ساحاتها التي يضمخها أريج التلاوة، التحق بحنتوب الجميلة وكان مميزا في اللغات، بجانب شغفه بالموسيقى والرسم، ثم آداب جامعة الخرطوم، وعمل ضابطا إداريا، لكنه سلم ملابس (الحكام) واستقال درءا للشبهات والقيل والقال، وفي دواخله أشواق التعليم حيث مارس التدريس، وكان ينادي بإنصاف المعلم ورفعة شأنه ملتزما بأخلاقيات المهنة. لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق رأى فقيدنا بأن التعليم الفني والتقني أساس التنمية الشاملة وأن التعليم النظري ترسيخ للبطالة. كان شعاره الزهد والتوكل على الله وترك الدنيا، حيث صرف همته للعبادة والتأمل. عمل معلما للغة الإنجليزية، عرف أسرارها وخفاياها حتى أذهل الناطقين بها واستقر به المقام محاضرا للإنجليزية بكلية التربية بجامعة الخرطوم، وواصل دراساته بالبعثات لانجلترا حيث نال أعلى الدرجات العلمية ومنها التخصص في علم الدراسات اللغوية وهو علم صعب ونادر لا يقدر عليه إلا الأذكياء. بعد هذا الفيض الباذخ من العلم كان يرى أن الانعتاق الثقافي الحقيقي لا يتحقق إلا بالرجوع للأصول المتمثلة في المدرسة القرآنية، فلجأ متعطشا لمسيد أبينا الشريف محمد الأمين الخاتم (كركوج) معانقا الألواح منتشيا بتلاوة وحلاوة القرآن. وكان شعاره الزهد والتقشف مخبرا ومظهرا، فكان لباسه الدمور ونعله "الشقيانة" يمتطي في تنقله دراجة متواضعة كتب عليه: فاتوني أهل الجيل..! ابتعد عن ضجيج الدنيا وبريقها واتخذ التواضع منهجا حيث خالط البسطاء وعرف بمساحة الأخلاق وحلاوة اللسان وصياغة الحكمة التي يقبلها العامة. كان حريصا على تعليم أشقائه حتى تقلدوا أرفع المناصب وهل صدقنا حين قلنا: يمكن تشكيل كل حكومة ولاية القضارف من منزل أحمد فضل الله؟ أفرد لنا الفقيد مساحات واسعة من المؤانسة وتمتعنا بالدهشة حين نسمع توجيهاته التي تقطر مودة وإخاء ونطرب لضحكاته التي تدخل البهجة في النفوس. ترك فقيدنا رصيدا ضخما لا يقدر بثمن تمثل في أبنائه وأشقائه يسدون عين الشمس أصالة وتطلعا وثقة. رحم الله فقيدنا الراحل المقيم وغفر له وتقبله القبول الحسن. اللهم أجعله من أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. اللهم إن أخانا أحمد قد جاء إليك يطلب الرحمة والمغفرة والقبول ولأنه كان مقبولا لدينا جميعا فتقبله اللهم القبول الحسن مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. أخوكم المكلوم صلاح الطيب الأمين