** قبل عام، رصدت ببعض شوارع الخرطوم ما يسمى بال (تفحيط)، وقلت فيما قلت إن العربات التي يتم استخدامها في هذا العبث القاتل قد لا تكون (ملكية خاصة)، فالعاقل - مهما بلغ به الطيش - لايستعرض بسيارته الخاصة لحد تمزيق الإطارات يومياً، هذا إن لم يصل الحال بالسيارة لحد تدمير بعض أجزاء السيارة حين تصطدم بالأشجار- والترتوار- عند دورانها حول نفسها.. ثم رصدت بشارع النيل، تفحيطاً تسبب في إصابة امرأة وبعض أفراد أسرتها، وتم نقلها وهي فى حالة يرثى لها إلى طوارئ الخرطوم، وكتبت عن الواقعة وناشدت إدارة المرور بالتدخل وإيقاف هذا العبث وفرض عقاب يصل حد حجز السيارة ومصادرة رخصة سائقها..!! ** ولكن، رغم تأكيد اللواء شرطة الطيب عبد الجليل المدير السابق لإدارة المرور بالخرطوم، رغم تأكيده بتعقيب كشف أن التفحيط تجاوز مرحلة الظاهرة الشاذة إلى حيث يكاد أن يصبح حدثاً رياضياً مألوفاً وجماهيرياً بشوارع النيل والمطار والستين وغيرها ، وأن خسائر وبلاغات التفحيط بلغت لحد تأسيس إدارة مختصة للمكافحة..رغم كل ذلك، لم ينحسر هذا (العبث)..بل المؤسف، تلقيت رسائل وهواتف تفيد أن للعبث المسمى بالتفحيط جهات راعية وشخصيات نافذة، وتسعى تلك الجهات والشخصيات بحيث يكون عبثها (رياضة معترف بها)..وقطعت شوطاً في سعيها حين نظمت استعراضاً ذات مساء أمام بعض سادة إدارة شرطة المرور، لتقنعهم بأن العقل السليم في (القيادة بطيش وتهور)..ولم تقتنع إدارة المرور بالعرض وما فيه من تهور وغباء، فواصلت عملية المكافحة..ولكن للأسف ، كانت - ولاتزال - الجهات الراعية والشخصيات النافذة أقوى من (القانون) ..!! ** قلت يومها، إنهم بعض أبناء المسؤولين والنافذين، وأن تلك السيارات ليست (ملكية خاصة)، ولو كانت كذلك لما عرضها أصحابها للتدمير والتحطيم، بل هي سيارات (ميري)، أي ملكية عامة، ولذلك يفحط بها أبناء الذوات عملاً بالحكمة الرعناء (جلداً مو جلدك، جر فوقو الشوك أو جر فيهو الشوك)، ولايبالي لما يحدث للسيارة من تحطيم طالما المواطن المغلوب على أمره - والمكتوي بنار ولاة أمره - يدفع أثمان إطاراتها وإسبيراتها خصماً من فواتير الغذاء والكساء والدواء.. كتبت حتى بح صوت المداد، ولكن ك(أذان في مالطا).. وأخيراً، يخرج مدير جهاز رقابة العربات الحكومية للناس والصحف والبرلمان ليقول شاكياً : أبناء المسؤولين والنافذين يستغلون المركبات العامة استغلالاً شخصياً ومسيئاً، وجهات نافذة في الحكومة تستغل حصانتها في تعطيل رقابتنا على هذه المركبات، وعلى سبيل المثال اقتحم أحد الوزراء مكتبي وأسمعنى إساءات بسبب توقيفنا لنجله وهو يقود عربة حكومية، والعربات الحكومية صارت تستخدم في نقل (المخدرات) ..!! ** هكذا حال عربات الناس والبلد، لم تعد تستخدم من قبل بعض أبناء المسؤولين - غير المسؤولين - في العبث المسمى بالتفحيط فحسب، بل في نقل المخدرات أيضاً، ولا ندري نقلها (من أين ؟، وإلى أين؟)، ولكن تلك شهادة جهة رقابية ويجب أن تقف عندها السلطات والرأي العام طويلاً.. وللأسف، كما يجد التفحيط رعاية الجهات والشخصيات النافذة، فالترويج للمخدرات بواسطة بعض أبناء المسؤولين و (كمان بعربات الحكومة)، وهذا أيضاً يجد حماية الجهات والشخصيات النافذة لحد التهجم على مدير الرقابة في مكتبه.. فالسلطة المطلقة ليست مفسدة مطلقة في دوائر صناعة القرار فحسب، بل في دوائر أسر بعض المسؤولين أيضاً، أو هكذا ملخص شكوى المدير العام لهذا الجهاز الرقابي..والمثير للدهشة، وكذلك للشك والريبة، قبل أن يجف مداد شكوى مدير هذا الجهاز الرقابي، وقبل أن تجري السلطات التحقيق والتحري حول تلك الشهادة، يصدر البرلمان تصريحاً مريباً على لسان عبد الله جماع، عضو لجنة العمل بالبرلمان، يقول فيه بالنص : هناك مخالفات إدارية بجهاز رقابة العربات الحكومية، والجهاز لايستطيع أن يؤدي واجبه ولا يوجد كنترول على كل العربات الحكومية، ونحن الأن ندرس جدوى وجود هذا الجهاز من عدمه، ولكن نرجح (جدوى عدم وجوده)، هكذا النص البرلماني .. نعم، قبل أن تصل تصريحات الجهاز - ذات الصلة باستخدام أبناء المسؤولين للعربات الحكومية - لآذان الناس جميعاً، بشرنا البرلمان ب (عدم جدوى الجهاز الرقابي) .. لقد أخطأ مدير الجهاز الرقابي بكشف تلك الوقائع، وأها الجهاز ذاته - وليس المدير فقط - يدفع ثمن الخطأ ب (كنسٍ مرتقب) ..!!