لا تزال الصحف إلى يوم أمس تتحدث عن مقتل عبد العزيز الحلو، جاء الخبر أمس في المانيشيت الأحمر لصحيفة الانتباهة: (موت الحلو متأثراً بجروح بالغة ودفنه بواو). قبل أربعة أيام نشرت الزميلة (اليوم التالي) خبر مقتل الحلو مصحوباً بصور قالت الصحيفة: إنه تم التقاطها عبر الطائرات العسكرية. أغلب الصحف نقلت حديثاً للدكتور نافع علي نافع، الذي قال فيه: إن الحلو بين الحياة والموت، ورجح أن تكون إصابته خطيرة. ما سبق يشير إلى توافر معلومات شبه مؤكدة للجهات الإعلامية والسياسية بأن الحلو أو موكبه وقع تحت رصد الأجهزة الأمنية السودانية وتم التعامل معه، ولا يزال الأمر في مرحلة التحري والاستكشاف عن مترتبات الضربة الجوية. أتمنى من كل قلبي ألا تكون معلومة مقتل الحلو عبارة عن كمين إعلاميٍّ معدٍّ من قبل الحركة الشعبية، و جزءٍ من الحرب النفسية المراد منها توجيه ضربة قاضية لمصداقية الحكومة ولأجهزة الإعلام الداخلية على طريقة أسلوب مسؤول الدعاية النازية في أيام "هتلر" جوزيف غوبلز. غوبلز تخصص في اغتيال مصداقية الخصوم، فقد كان يمتلك ماكينة ألمانية فاعلة في نشر الشائعات وتسديد الضربات المؤذية للحقائق. المهم بعد خروج خبر مقتل الحلو يوم 29 أبريل، تم الإعلان في بعض المواقع الإسفيرية عن حوار أجري مع الرجل، و قيل إنه سيبث عبر سودان راديو سيرفس. الإذاعة المعنية تابعة -بصورة ما- للحركة الشعبية وترسل بثها من نيروبي، وهي إحدى مشاريع منظمة (EDC)، وهي منظمة دولية غير حكومية، تدعم من مكتب وزارة الخارجية الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل. الغريب أن المواقع الإسفيرية نقلت ملخصاً مكتوباً للحوار يوم الخميس الماضي 2 مايو ووعدت ببث الحوار يوم السبت 4 مايو، وإلى كتابة هذا العمود لم أجد تسجيلاً للمقابلة! المدهش أن الحوار المعني أو ربما حواراً آخر تم بثه صوتياً يوم الإثنين الماضي 6 مايو عبر إذاعة راديو دبنقا التي تبث برامجها لدارفور من هولندا! استمعت للحوار الذي قارب زمنه ربع ساعة. أدعي أنني أعرف جيداًَ صوت عبد العزيز الحلو، أذكر أنني أجريت معه حواراً في 2006 والتقيت به عدة مرات قبل ذلك أثناء تغطيتي لمفاوضات نيفاشا. الصوت قريب جداً للصوت الذي أعرفه وإن كان (اللسان تقيل شوية)، والأغرب من ذلك بدا لي كأن التسجيل تم في مكان مغلق عازل للصوت، فهو خالٍ من ذبذبات الاتصالات الهاتفية. تحدث الحلو في حوار دبنقا عن معركة أم بريمبيطة، والمعركة تمت يوم الأحد 5 مايو أي بعد 7 أيام من خبر مقتله أو إصابته. لفتت نظري في الحوار عدة ملاحظات: 1- كثرة المتناقضات و الأخطاء في التعبير و التاريخ والأحداث، حيث ذكر في الحوار أن حل مجلس ثورة الإنقاذ تم في عام 90 والصحيح في 94. 2- ذكر أن أعضاء مذكرة العشرة جميعهم كانوا من منطقة جغرافية محددة. وهذا غير صحيح، فما الذي يجمع بين حامد تورين وغازي صلاح الدين؟! 3- الحلو في الحوار لم يفرق بين استخدام كلمتي تحرير واحتلال، ارتبك في تحديد ما حدث في أم بريمبيطة، وهذا مؤشر على اضطراب في تحديد الرؤية الكلية للأنشطة العسكرية، أهي تحريرية أم احتجاجية؟!! 4- تعسف الحلو في استخدام التفسير العنصري لأحداث تاريخية، مثل حل مجلس ثورة الإنقاذ إلى انقسام الإسلاميين، وبرر لعنصريته بأنها رد فعل لعنصرية الآخرين. 5- قدم رواية تتناقض مع الرواية الأولى التي ذكرت أن الهجوم على أم روابة خطوة في الطريق للخرطوم، حيث قال في الحوار: إن الهجوم جاء رد فعل لهجوم الحكومة ومطاردة قواتها، وفي ذات الوقت أطلق على العملية اسم (الفجر الجديد)، والعادة جرت على إطلاق أسماء العمليات على المهام الهجومية لا الدفاعية. 6- في إفادات سابقة كان الوصول للخرطوم هدفاً في حد ذاته للجبهة الثورية ولكن في الحوار جاء كخيار تهديدي فقط . 7- في الحوار قام الحلو باستدعاء حادثة تاريخية قديمة وهي صراع الخليفة عبد الله والخليفة شريف، لمشابهتها بما هو راهن داخل الحركة الإسلامية، ولم يحسن التوظيف والتوليف بين الحدثين. ليس مهماً أن يكون عبد العزيز الحلو ميتاً أو حياً، ولكن الأخطر أن الرجل الذي يقود حرباً في كردفان الكبرى مع امتدادتها في دارفور والنيل الأزرق بلا مشروع محدد، بل يعبر عن حالة نفسية ومعنوية، إذ إنه يحمل أفكاراً مشوشة وملتبسة وعبثية، و يتمسك بمقارنات ساذجة لا تنتج سوى الحرائق والدماء!