دون ادعاء أو تزيُّد، يمكن القول إن الإنقاذ لا تخشى من أعدائها التقليديين ولا المستجدين، فهي لها تجارب ناجحة في التصدي لهم والحد من خطرهم، ولكنها ستشعر بقلق بالغ إذا تسرب إليها إحساس بأن التيارات التي ظلت تدافع وتقاتل من أجلها وتوفر لها شعورا بالأمان السياسي والتفوق العسكري، طوال مدة حكمها التي تقترب من تجاوز الثلاثة والعشرين عاما، أصبحت تقف منها على الحياد أو اللامبالاة! الجملة المفتاحية التي مهدت لانهيار التجربة الديمقراطية الثالثة في السودان برئاسة السيد/الصادق المهدي هي مقولة الشريف زين العابدين :(هذه الحكومة إذا أخذها كلب لن تجد من يقول له جر)! . المقولة آنفة الذكر جاءت في البرلمان على لسان نائب رئيس الوزراء الشريف زين العابدين الهندي، في أجواء إحباط ويأس عامة أحاطت بالحكومة وقتذاك من كل جانب، هزائم عسكرية ووضع اقتصادي متردٍّ. لم تمض أشهر على مقولة (الهندي)، إذ سرعان ما تحركت المدرعات المسلحة لتغلق (كباري) العاصمة الخرطوم، ولتسيطر على قيادة الجيش، معلنة انتهاء الجولة الديمقراطية الثالثة في تاريخ السودان، وبداية حكم الإنقاذ. مقولة الشريف الهندي كانت تعبر عن حالة حياد يائس سادت في تلك الفترة، لذا لم تجد حكومة الصادق من يقف مدافعاً عنها رغم وجود ميثاق موقع من قبل القوى السياسية. ربما يصدق القول إن أكثر ما تخشاه الآن الحكومة أن تصيبها (لعنة الكلب)، وأن تعود عقارب الساعة السياسية إلى الوراء، لتصل إلى ذات المحطة التي جاءت منها، وهي محطة (كلب) الشريف الهندي الذي تنبأ بألا يجد من يردعه بكلمة (جر) ! معطيات عديدة تشير إلى أن سلطة وقوة حكومة الانقاذ تتعرض هذه المرة لاختبار قاس وتحد كبير، من قبل الحركات الحاملة للسلاح والتي توحدت في جسم تحالفي أطلق على نفسه اسم (الجبهة الثورية)، يجد دعماً غير منكور من قبل إسرائيل. الكيان الجديد قام بتوسيع رقعة الحرب على مساحة واسعة، لإضعاف مقدرة الحكومة على الاحتواء العسكري، وأفلح الكيان في مد جسوره إلى داخل الخرطوم مع بعض قوى المعارضة المدنية التي تصلي مع الحكومة بلسان وتغني مع الجبهة الثورية بلسان آخر وتحتفظ بثالث لزوم الضرورة وعند الحاجة! وهذه الجبهة الجديدة تجد دعما وسندا كبيرين من قبل مجموعات نافذة داخل دولة الجنوب ومن قبل أطراف دولية لا ترغب في استمرار الإسلاميين في حكم السودان، وتريد إسقاطهم إما بحساب النقاط أو بالضربة القاضية! لن تستطيع الانقاذ مواجهة السيناريوهات الجارية والقادمة، إذا لم تعِدْ ترتيب أوضاعها بصورة تمنحها قوة في صد الهجمات العسكرية ومقدرة على طرح المبادرات السياسية غير التقليدية. من المهم أن تسعى الحكومة لتسوية ملفاتها الخارجية مع الدول الكبرى-بلا استثناء- والتي تمثل الداعم الأكبر للحركات المسلحة. ولتعيد الحكومة السودانية الحماس والرغبة لدى القطاعات التي ظلت طوال الثلاثة وعشرين عاما توفر لها السند العسكري والدعم السياسي، لا بد أن تجري تعديلات وتغييرات كبرى على مستوى الخطاب السياسي وفي التشكيلة القيادية، وتظهر جدية بائنة في مواجهة قضايا الفساد ومحاسبة المتجاوزين. وإذا لم تتمكن من ذلك، فلن تجد نفسها في وضع أفضل من حكومة الصادق المهدي التي طاردتها لعنة مقولة الشريف زين العابدين الهندي إلى لحظة السقوط! هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته