تعامل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع أحداث الشغب التي تشهدها بلاده منذ عدة أيام بثقة عالية بالنفس، ويقول محللون: إن هذه الثقة مردها الشعبية التي تأكدت للرجل على مدى الانتخابات التي شهدتها البلاد منذ عشر سنوات، غير أن المحللين لا يخفون شكوكهم بأن الطريقة التي تعامل بها الرجل مع الأحداث قد تؤدي لعزل سلطته. ويرصد المراقبون كيفية تعامل أردوغان مع المظاهرات التي خرجت تنديداً بمشروع عقاري حكومي بميدان تقسيم بإسطنبول، إذ رفض اتهامه بالدكتاتورية، وأصر على مواصلة المشروع رغم الغضب الشعبي الذي فجره، حيث امتدت حركة الاحتجاج للكثير من أنحاء البلاد، ووقعت صدامات مع الشرطة وسط شعارات تطالب أردوغان بالاستقالة. ويبدو أن الانتصارات الانتخابية التي حققها الرجل تعزز ثقته بنفسه، وهو السياسي الذي بدأ من الصفر، حيث كان بائع مشروبات بحي كاسيمباسا الشعبي بإسطنبول، قبل أن يرتقي السلم ليصبح رجل الدولة الأبرز منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة. ويمسك أردوغان -الإسلامي المحافظ- بمقاليد الحكم بقوة منذ أكثر من عشر سنوات، وقد تحسنت نتائج حزب العدالة والتنمية بكل الانتخابات التشريعية التي شهدتها الدولة العلمانية منذ عام 2002، إذ حصل على 34% من الأصوات، وفي 2007 حصل على 47% وفي 2011 حصل على 50%. ثقة مبررة ووفق هيو بوب من مجموعة الأزمات الدولية فإن ثقة أردوغان مبررة، فهو رئيس وزراء انتخبه الشعب بغالبية 50% قبل سنتين فقط، كما أن بإمكانه الافتخار بأنه نهض بالاقتصاد التركي الذي كان يعاني من أزمات متكررة، وبلغ دخل الفرد بتركيا ثلاثة أضعاف ما كان عليه عندما تولى الحكم. أما المحلل السياسي جنكيز أكتر من جامعة بهجسهير بإسطنبول فيرى أن أردوغان راهن على الاقتصاد لكسب رضا الجماهير، وأنه نجح بذلك، لأن مجتمع الاستهلاك في أوجّه بتركيا، والناس يغتنمون الفرصة ويتهافتون على التبضع فعلاً، غير أنه استدرك قائلا "لكن يبدو أن مقولة استهلك واسكت لها حدود... الناس يريدون أيضا حريات". لذلك رأى أنه من المفيد لأردوغان أن يفتح حواراً مع قسم كبير من المتظاهرين، سيما أنه يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة السنة المقبلة، كما أنه يأمل بتعديل الدستور لتعزيز صلاحيات الرئيس قبل حلول موعد الاقتراع. مشاكل وبراغماتية وقبيل تفجر الأحداث الأخيرة بتركيا، فإن أردوغان غالبا ما واجه انتقادات المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يحتجون أيضا على ازدياد عدد الصحفيين المعتقلين، وكذلك تهجم الرجل على وسائل الإعلام وكثرة المحاكمات بتهمة التآمر على الحكومة، والتي ألقت في السجون مئات المدنيين المقربين من المعارضة والعسكريين. كما أن أردوغان أثار غضب الأوساط الليبرالية ببلاده مؤخراً عندما عمد للمصادقة على قانون يحد من استهلاك وبيع الخمور. ومن وجهة نظر قمر قاسم من مركز دراسات بوساك بأنقرة، فإن الحكومة الحالية تحكم البلاد منذ عام 2002، وهي حسنت نتائجها الانتخابية باستمرار، وقال "وهذا يؤدي بطبيعة الحال لإنهاك وإفراط بالثقة بالنفس". غير أن قاسم يؤكد أن أردوغان لن يبقى لا مبالياً تحت ضغط الرأي العام، فهو رجل براغماتي، يعرف أن إضعاف موقفه قد يعرض للخطر جهوده الرامية لوضع حد لثلاثين سنة من النزاع بين الجيش والمتمردين الأكراد بجنوب شرق تركيا. ومن شأن هذه الجهود فيما لو تكللت بالنجاح أن تؤدي لكتابة اسم أردوغان بخط عريض في التاريخ، لا سيما أنه تحمل من أجلها مخاطر سياسية كبيرة. في ذات الوقت أكد الخبير الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط د. موردخاي كيدار أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لا يواجه تمرداً ربيع عربي على الرغم من الاحتجاجات واسعة النطاق التي ظهرت في العديد من المدن التركية في الأيام الأخيرة. وفي تصريح للقناة "السابعة" الإسرائيلية، قال كيدار: إن الأحداث في تركيا الآن بعيدة كل البعد عما حدث في مصر، وسوريا، وليبيا، وإن الفرق الأساسي هو طابع المحتجين ضد أردوغان، مشيراً إلي أنهم من اليساريين، و ممن لم يدفعهم الإسلام المتطرف. أوضح كيدار، أن احتجاج تركيا اعتراضاً على السلوك العام لأردوغان، ونقل السلطة إلى مؤسسة الرئاسة، تحسباً لأن يكون رئيساً، وكجزء من خطته لوضع نظام رئاسي. وذكر كيدار، أن أردوغان سحب رجال الشرطة من ميدان تقسيم من أجل جعل الاحتجاج سلمي نسبياً. وتابع كيدار، سيكون من الأفضل دراسة الوضع في تركيا في غضون يومين، ومعرفة ما إذا كان المحتجون سيعودون لأنماط حياتهم الروتينية.