(رضا الوالدين أهم من أبوك وأمك)، عبارة مدونة على خلفية ركشة، وتم تداولها على الفيس بوك على نطاق واسع، وفشل كل المعلقين في إيجاد معنى للعبارة وماذا يقصد بها، حملت العبارة، وظللت كلما صادفت (ركشة) بالشارع أنظر إلى خلفيتها. وأحدهم التقيته بأحد أحياء بحري العريقة، وكتب على خلفية ركشته (قرد يونسك ولا غزال يفتري عليك)، جذبنتني العبارة، ودخلت معه في دردشة، (إنت قاصد شنو بالكلام دا؟)، قال لي (شوف يا مان أحسن للزول يلقى واحدة مقتنعة بيهو وبتحترمو ولو شينة، أحسن مما تلقى ليك واحدة سمحة ونفسها عاجباها وتفتري عليك)، قلت له: (والله حكمة). فسألته عن العبارة التي (جهجهتني وجهجهت الناس): (إنت ياخ في واحد كاتب في الركشة (رضا الوالدين أهم من أبوك وأمك)، الزول دا قاصد شنو؟)، فضحك (حتى بانت نواجذه)، وقال: (الكلام دا يا حبة ما واضح، أسع عايز شرح)، قلت له: (والله ياخ دا مثل محلي جنن العالم)، اعتدل في جلسته وقال لي: (شوف الزول دا قاصد إنو رضا الوالدين الأم والأب الحقيقيين، أهم من أمك وأبوك وديل قاصد بيهم حبيبتو وصاحبو). فلحقته بسؤال آخر: (يعني الحبيبة بتعني في عرفكم الأم والصاحب الأب؟)، فقال لي ضاحكاً: (عليك نور)، وواصل: (إنت عارف الزول دا (حبيبتو وصاحبو ديل بكون كتموها معاهو)، فقلت له: (كيف يعني؟)، فقال لي: (إنت مالك يا مان أي حاجة أقولها ليك ما فاهما ياخ أنا بتكلم عربي وكتمت دي معناها إنو زعلوا الراجل شديد عشان كدا قال رضا أمو وأبوه أهم من حبيبته وصاحبو). فقلت له: (والله يا مان حكمة جديدة لنج، وكتر خيرك)، فودعته فامتطى ركشته ورفع صوت مسجله الذي انطلقت منه أغنية فنان الشباب الراحل محمود عبدالعزيز (سكت الرباب). الركشات التي تملأ شوارع الخرطوم أصبحت (خلفياتها) مليئة بالحكم والتجارب الشخصية، التي تكشف عن روح مليئة بالدعابة، وحقيقة من قلب المعاناة ينبع الإبداع، خطفت الأضواء من البصات والحافلات. أحدهم كتبها في ركشته بخط كبير (أسع بلف)، وفعلاً كان صادقاً في ذلك. الرجل قبل أن أكمل قراءة عبارته هذه (كان قد لفَّ فجأة) و(جهجه الشارع كلو معاهو)، والراجل (كتر خيرو) حذر الناس من (لفَّتُو المفاجئة)، ويبدو أنه عمل بحكمة ناس الحفلات (وقوف متكرر). واذا تم إجراء إحصاء سريع ل(خلفيات الركشات) بالعاصمة المثلثة سنجد أن نحو أكثر من (80%) تعبر عن (صدمة عاطفية) للشباب الذين يقودون الركشات، وتبقى المحصلة وراء كل عبارة في خلفية ركشة (قصة حب فاشلة). أما ال(20%) المتبقية فتعبر عن الإحباط الذي يعيشه معظم الشباب بسبب العطالة وانعدام الوظائف. أطرف عبارة وجدتها في خلفية ركشة (حصاد الغربة)، سيدة ستينية علقت على العبارة بالقول (أكان دا حصاد غربتك يا ولدي سجم خشمك!) أو كما قالت.