في ظل ترقب صدور قرار رفع الدعم أمس محطات الوقود.. حراسة أمنية ونفاد للكميات المتوفرة قام بالجولة: فريق (السوداني)* في الوقت الذي كانت تتجه فيه أنظار المراقبين والمتابعين صوب رئاسة مجلس الوزراء في انتظار ما سيخرج عنه بإجازة حزمة الإجراءات الاقتصادية الجديدة، وعلى رأسها زيادة أسعار جالونيْ البنزين والجازولين، وحتى انتهاء ساعات العمل الرسمية، لم يلتئم هذا الاجتماع الطارئ، وهو ما كان يعني عملياً إعطاء مهلة إضافية تحافظ بالإبقاء على تلك الأسعار دون زيادات، مع انتظار صدورها بين الفنية والأخرى. لم يخفِ محجوب سائق التاكسي قلقه الشديد من الخطر الذي يهدد مهنته جراء ندرة الوقود في الفترة الحالية وزيادة أسعاره بعد تطبيق تلك الحزمة الاقتصادية، وقال ل(السوداني) نهار أمس، وهو يسرح ببصره بعيداً، بأنهم الأكثر تضرراً من تلك الزيادات "لأنهم يعملون (رزق اليوم باليوم) ولا يكفي ما يحققونه من أموال لتغطية أي نفقات إضافية. لاحظت (السوداني) خلال جولتها الميدانية أمس للوقوف على التحسبات، لإنفاذ قرار رفع الدعم عن المحروقات على عدد من طلمبات الوقود، حراسة بعضها بواسطة عدد من منسوبي الشرطة ونفاد كميات كبيرة من الوقود خلال اليوميْن المنصرميْن، نتيجة هلع المواطنين والذين استمروا طيلة يوم أمس في سحب كميات كبيرة من الوقود، تخوفاً من زيادة أسعار المحروقات المضمنة في الإجراءات الاقتصادية المرتقبة. في الانتظار وأظهرت تلك الجولة نفاد كميات كبيرة من الوقود بالعديد من الطلمبات، بسبب الطلب المتزايد من قِبَل المواطنين تخوفاً من زيادة أسعار الوقود عموماً والبنزين على وجه الخصوص، الذي أشارت التوقعات لزيادة قيمة الجالون منه لحوالى 20 جنيهاً بمعدل زيادة يبلغ الثلثين، مقارنة بسعره الحالي قبل الزيادة ب12 جنيهاً، أما الجازولين فطبقاً لتلك التسريبات فسيشهد زيادات تدريجية تصاعدية بمعدل جنيه واحد شهرياً، ليقفز من سعره الحالي ب8 جنيهات إلى 11 جنيهاً، فيما أثار عدد من العاملين بتلك المحطات ملاحظة رئيسية تتمثل في عدم تلقيهم لأي إخطار رسمي – عند إجراء تلك المقابلات صباح ونهار أمس - يفيد بزيادة أسعار المحروقات، وهو ما جعلهم يستمرون في بيعه بالأسعار السارية. 40 جالوناً ذكر عامل بإحدى محطات الوقود ل(السوداني) ويدعى فيصل حمدان أن حالة الهلع وسط المواطنين دفعتهم مع ثبات الأسعار الحالية وعدم سريان الزيادات لقيام عدد منهم بشراء كميات كبيرة من الوقود، مستدلاً هنا بقيام أحدهم بشراء بنزين بمبلغ 500 جنيه – ما يعادل تقريباً حوالى 40 جالوناً؛ المحرر - وعزا هذا المسلك للتخوف من صدور قرار زيادة أسعار الوقود أمس. حالة هلع أما المحاسب بمحطة (ليبيا أويل) محمد آدم، فقال ل(السوداني) إن الوقود الموجود بمحطتهم نفد منذ ظهر أمس، مبيناً أنهم باعوا أكثر من 2.9 ألف جالون، وهي الكمية التي تشمل احتياجات يوميْ الجمعة والسبت، وتفيض لحين وصول الكميات المقررة بداية الأسبوع، وأردف: "لقد تفاجأنا بطلب سحب عالٍ من قبل المواطنين ترتب عليه نفاد الكميات المتوفرة لدينا"، مبيناً أن إدارة المحطة اضطرت لتقديم طلب لمضاعفة الكميات لتلبية الطلب على الوقود، مشيراً إلى أن تعثر حركة المرور عطلت وصول الكميات المطلوبة للمحطة. وعلى ذات المنوال جاءت إفادة مشرفة بمحطة وقود على أحد الشوارع المهمة بوسط الخرطوم –واشترطت في إفادتها حجب اسمها ومعالم مكان موقعها - والتي أوضحت أن الكميات التي استجلبت لتغطية يومي الجمعة والسبت بمحطتها أوشكت على النفاد، مما اضطر الإدارة إلى إصدار قرار بإيقاف البيع مساء أمس الأول، لتلبية احتياجات بعض زبائنها المعتمدين صباح أمس، مبينة أنهم استعجلوا وصول الوقود نتيجة لقرب نفاد الكميات المتوفرة. وكشفت عن بيع أفرع تابعة لشركتها لأكثر من 3 آلاف جالون بنزين خلال ساعتيْن يوم أمس، فيما باعت أخرى أكثر من 6 آلاف جالون، جراء هلع المواطنين وقيامهم بسحب كميات كبيرة، نتيجة لاستمرار بيعهم بالأسعار المعتادة، نسبة لعدم تلقيهم أيَّ إخطار رسمي بزيادة أسعار المحروقات. استبعاد انخفاض الطلب من جهته أكد سامي إدريس - المشرف على إحدى محطات الوقود بمنطقة الخرطوم - أن زيادة أسعار المحروقات تحتم على العاملين بالقطاع، ضرورة رفع رأس المال العامل في حال زيادة أسعار المحروقات، حتى يتمكن من شراء نفس كميات الوقود، والمحافظة على سير العمل دون مشكلات، واستبعد في تعليقه ل(السوداني) أمس تراجع الطلب على الوقود في حالة زيادة الأسعار باعتباره سلعة ضرورية، لكنه دعا في ذات الوقت لجعل الزيادات متدرجة بنسب أقل، لأن الوضع الاقتصادي الحالي بات لا يستطيع تحمل أعباء جديدة أخرى. وفيما يتصل بالمواطنين، فقد تطابقت آراء العينة التي استطلعتها (السوداني) برفضهم تلك الزيادات، مشيرين لنتائجها المباشرة على المواطنين، وقال علي عبد الله إن الوضع المالي للمواطن العادي فرض أعباءً مالية جديدة، كما أن زيادة أسعار المحروقات ستنعكس على مستلزمات الحياة كافة، مضيفاً أن المواطن حالياً (يعيش في هلع وخوف وحالة نفسية سيئة جداً)، يوما بعد يوم بسبب ما تسفر عنه الإجراءات الاقتصادية المنتظرة. فيما اعتبر عوض أن زيادة المحروقات تزيد من الأعباء وحالة الإحباط التي يمر بها المواطنون في هذه الفترة، أما صالح عبد الرحمن فوصف إقرار تلك الزيادات بأنها (خراب بيوت) - حسب قوله. ندرة وصفوف أما في (مدني) عاصمة ولاية الجزيرة فقد اشتكى عدد من أصحاب المركبات من ندرة وانعدام الوقود –لا سيما البنزين - ومضى بعضهم لأكثر من ذلك، بتوصيف الوضع باعتباره (أزمة حادة)، وكشفت جولة (السوداني) بالمدينة عن إغلاق بعض محطات الوقود بشكل عام والمحطات القريبة من موقف المركبات العامة بالسوق الكبير بشكل خاص، فيما شهدت بعض محطات الوقود اصطفاف أعداد كبيرة من السيارات في انتظار حصولها على كميات من الوقود. وأبلغ صاحب إحدى المحطات بالمدينة – والذي طلب حجب اسمه - (السوداني) أن الكميات الموجودة بمحطته نفدت في وقت مبكر، مبيناً أن حجم السحب من قبل المواطنين شهد ارتفاعاً كبيراً بمتوسط (20 إلى 50) جالوناً للمركبة الواحدة، موضحاً مطالبتهم بكميات أخرى لتغطية احتياجات المواطنين، مضيفاً أن تلك الكميات شارفت على الوصول إلى المدينة. لكن مدير إدارة البترول بالولاية صلاح الإمام، اعتبر أن تلك الأوضاع في تصريحات ل(السوداني) ناتجة عن (الجشع الاستهلاكي)، باللجوء لسحب كميات كبيرة من الوقود بغرض الشراء بفارق السعريْن، بعد سريان تطبيق قرار رفع الدعم وزيادة الأسعار، مما أدى إلى نفاد الكميات في بعض المحطات، وكشف أن استهلاك محلية ود مدني الكبرى يقدر بحوالى 45 ألف جالون في اليوم. وأكد الإمام استمرار عمليات الإمداد بالوقود، بتوفيره في المركز مع وجود وفرة لسلعة البنزين بالولاية، نافياً في ذات الوقت وجود أزمة للوقود بالولاية، مشيراً إلى وجود عدد من حاملات الوقود المزودة لأي طارئ. مشاهد مشتركة أما مدينة كوستي – التي تعد إحدى كبرى مدن ولاية النيل الأبيض جنوب البلاد - فقد عاشت أمس أزمة مواصلات بسبب إغلاق عدد من محطات الوقود أبوابها منذ مغيب شمس الأمس أمام المواطنين، بحجة عدم وجود وقود للبيع. ويقول صاحب محطة الوطنية للوقود بكوستي خضر إسماعيل إن أزمة الوقود بدأت منذ إرهاصات رفع الدعم، ويضيف ل(السوداني) أن الخرطوم قامت برفع سعر الوقود بالنسبة للولايات، الأمر الذي تسبب في إحجامهم عن الشراء، نسبة لارتباطهم بتسعيرة محددة مسبقاً، فلا يمكن لهم أن يضعوا أسعاراً جديدة من أنفسهم، ويضيف إسماعيل أنهم سمعوا أن البعض عمد لتخزين الوقود ورفض إعطاء وكلاء الولايات ذات الحصص السابقة. أما شمالاً بمدن ولاية نهر النيل، فقد اضطر بعض مواطني عاصمتها الدامر – طبقاً لشهود عيان تحدثوا ل(السوداني) عبر الهاتف - إلى التوجه لعطبرة، بحثاً عن الوقود؛ وقد قال شهود عيان فيها ل(السوداني) عبر الهاتف إن الأوضاع كانت أفضل حالاً من مدينتي كوستيوالدامر، مع وجود صفة مشتركة بين المدن الثلاث، تتمثل في إغلاق العديد من محطات بيع الوقود، مع وجود أمر ثانٍ يتمثل في وجود اتهامات وتسريبات بلجوء البعض لشراء كميات كبيرة من الوقود وتخزينها، على أمل بيعها بأسعار أعلى، بعد تطبيق قرار زيادة أسعار المحروقات، وهو ما يؤكد أن الأزمات لا تحمل وجهاً واحداً، وإنما بإمكانها أن تستوعب أبعاداً أخرى يمكن تلخيصها بمقولة (مصائب قوم عند قوم فوائد). * شارك في التغطية من (الخرطوم) ابتهاج متوكل، محممد محمود، (مدني) عمران الجميعابي و(كوستي) سوسن عثمان.