قبل كل شيء ينبغي ويجب على كل من تسول له نفسه أن يمتهن ويلج هذا المضمار من النشاط.. وهذا النوع من المهن، والذي يغوص بصاحبه دياجير الظلمة طوراً.. وشعاع الشمس والأضواء تارة أخرى.. والسياسي لا يؤمن غده.. ولا يركن لتباشير الصباح.. وتغريد العصافير والقماري على المروج الخضر. وبين حركة لرمش العين تخلو الساحة إلا من صفير ريح أصفر.. ونعيق بوم.. وجدران غرفة رطبة تحتويه في إحدى المعتقلات.. فينبغي عليه أن يفهم أغوار هؤلاء الذين تصدى لسوسهم.. واختار العمل السياسي بمحض إرادته.. فعليه أن يجتهد في هذا الأمر- حتى لو تطلب الاستعانة بأطباء النفس. مصيبة أحزاب المعارضة عندنا إن وجدت أنها لا تفهم مطالب الرعايا- وأقول إن وجدوا- لأن معظم هذه الأحزاب استسلمت ورفعت الراية البيضاء أمام الحزب الجديد.. أو القادم الجديد... والذي عمل طوال ربع قرن لإقصائهم ونجح في ذلك إلى حد بعيد.. والكوميديا السوداء على مسرح الأحداث في هذين اليومين ما جرى لما يسمى بالأحزاب التاريخية.. فهي كالجدة "الحبوبة" التي فوجئت بانقطاع التيار الكهربائي.. فأخذت تتحسس وتبحث عن أشيائها ببطء شديد.. وستظل هكذا تبحث في الظلمة إلى ما لا نهاية. أما الأحزاب التي تمسكت بخط النضال الأبدي.. حيث لا مساومة ولا اقتراب من السلطة الحاكمة.. فنحمد لهم الثبات على المبادئ- ولكنهم كالسامري سيرددون "لا مساس" إلى الأبد.. حيث لا أمل لهم.. واقتصر دورهم فقط على زعزعة عروش الأنظمة الشمولية وإسقاطها.. ومن ثم تسليم الجائزة للحزبين الكبيرين بأريحية ونكران ذات.. والاكتفاء فقط بمقعد أو اثنين بالبرلمان المنتخب شرعاً.. وفي رابعة النهار!. أما شر البلية.. وشر البرية أيضاً- هؤلاء الذين يحملون السلاح.. ويحلمون باجتياح العاصمة وإقامة دولتهم أو نظامهم. وأحسب هؤلاء بلغوا من السذاجة مراحل متقدمة أو منتهاها. فليسألوا أنفسهم أولاً.. من سيأمن جانبهم؟. أغلب الظن أنهم أداة تحركهم أيادٍ خبيثة.. بعد أن تدفع لهم الأجر.. وتحشو عقولهم الخاوية بنعرات التمايز وهذا الأفكار البالية ثم تسويقها عشرات المرات.. وفي الأحداث الأخيرة.. زعم الكثيرون أن النظام مقضي عليه لا محالة.. بل أن البعض أرهق نفسه في بحث محموم- ونفض الغبار عن أرشيف الكلمات والعبارات الراقصة في عهود الحرية.. وتعدد الأحزاب: حجر الرحي.. وينبغي.. وحتى يسقط الاستعمار.. وداون داون يو إس إيه... ويسقط مشروع آيزنهاور.. والبلد بلدنا. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث- رغم أن الفرصة كانت مواتية.. وبحسب ما شاهدنا عبر القنوات الفضائية فقد كنا نتوقع تشكيلاً وزارياً جديداً- بعد أن يذهب التشكيل الوزاري القديم وينزوي في أروقة التاريخ. وأحسب أن هذه الفضائيات كانت تنقل لنا أفلاماً مدبلجة.