:: من الدستور المصري، نقتبس ما يلي: (تلتزم الدولة بتوفير الرعاية الصحية لكل مواطن، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين، ويحظر الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ، وتخضع جميع المنشآت الصحية لإشراف الدولة ورقابتها وفقاً للقانون)، هكذا النص الدستوري.. أما تفسيره، كما في الواقع المصري، أن المشافي العامة ملزمة بعلاج الجميع، سواء كان المريض قادراً على دفع الرسوم أم غير قادر.. أما المشافي الخاصة، فهي ملزمة باستقبال الحالات الطارئة - وهي التي تشكل الخطر على حياة المريض - بغض النظر عن موانع الاستقبال، مادية كانت أم غيرها.. هكذا دستور مصر، يُلزم حتى المشافي الخاصة باستقبال (الحالات الطارئة). :: أما الحال بالسودان، كما يلي واقعاً و(ليس نصاً): عمر كوكو من أبناء بحري، أنجبت زوجته منتصف مساء الخميس الفائت مولودة بمستشفى رويال كير (خاص)، واستدعى الأمر حاجة المولودة إلى جهاز تنفس صناعي عاجلاً، ولم يجدوا الجهاز بالمستشفى، و(هذه مخالفة).. وعند منتصف الليل، شرع الأب وأهله في رحلة البحث عن الجهاز المراد به إنقاذ حياة مولودتهم.. قصدوا مستشفى رويال كير (خاص أيضاً)، فرفضوا استقبال حالة المولودة الطارئة بتبرير (أجهزتنا فقط لاستعمال مواليد مستشفانا).. غادروا رويال كير إلى مستشفى جرش (خاص أيضاً)، فرفض استقبال حالة المولودة الطارئة بذات الاسطوانة (أجهزتنا فقط لاستعمال مواليد مستشفانا)..!! :: اتصلوا ببعض المسؤولين بوزارة الصحة الولائية، فالحالة كانت حرجة للغاية، وأرشدهم أحد المسؤولين إلى مرفقيْن: مستشفى السويدي (خيري) ومستشفى جعفر بن عوف (عام)؛ فذهبوا أولاً إلى مستشفى السويدي، ووجدوا كل أجهزة التنفس في حالة استخدام، ولم يجدوا جهازاً ينقذ حياة مولودتهم من المخاطر، وكانت الساعة تجاوزت الواحدة فجر الجمعة.. غادروا السويدي الخيري إلى مستشفى جعفر ابن عوف (عام)، فوجدوا أجهزة التنفس ولكنها للأسف (غير معقمة).. نعم، خاطبهم الطبيب بالنص: (الجهاز ما معقم وبالوضع ده الطفلة ح تموت)، ثم أكد مضيفاً: (وقبل كده ماتوا أطفال).. غادروا (ابن عوف) حرصاً على حياة المولودة إلى مستشفى (شرق النيل)!! :: مستشفى شرق النيل، كل العدة والعتاد والمباني فيه من أموال الشعب العامة، ومع ذلك أجرته حكومة الخرطوم لصندوق الضمان الاجتماعي، وهكذا تحوّل هذا المرفق الصحي - في غفلة العقول والضمائر والقوانين- من (مرفق عام) إلى (مرفق خاص).. المهم، رفضت إدارة مستشفى شرق النيل أيضاً استقبال حالة المولودة الطارئة - والتي فقط بحاجة إلى جهاز تنفس صناعي- بذات الأسطوانة: (أجهزتنا فقط لاستقبال مواليد مستشفانا)، وكانت الساعة اقتربت من الثانية فجر الجمعة.. غادروا مستشفى شرق النيل، وقصدوا مستشفى يستبشرون (خاص)، فوجدوا الجهاز، ولكن لم يجدوا الكادر الطبي المنوط به مهام تشغيل الجهاز، أو هكذا كان (عذر الفريق المناوب)! :: وعندما فشلوا في العثور على كادر تشغيل الجهاز بمستشفى (يستبشرون)، فكروا في مواصلة البحث عن هذا الجهاز الذي قيمته لا تتجاوز (75 ألف جنيه)، وهي الرحلة التي بدأت منتصف مساء الخميس.. ولكن قبل أن يقصدوا مرفقاً صحياً آخر: مستشفى خاصاً (أجهزته فقط لاستخدام مواليده) أو مستشفى عاماً (أجهزته غير معقمة)، وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية فجر الجمعة.. وكانت تلك هي اللحظة التي فاضت فيها روح المولودة إلى (رحمة مولاها)، وهكذا انتهت الواقعة.. ولا تعليق غير تأكيد عجزي عن (التعليق)!!.