في مؤتمر باندونق عند العام 55 قال الزعيم الهندي نهروا "على زعماء آسيا وأفريقيا ألا يفرحوا بالاستقلال بل يجب أن يفكروا بتبعات الاستقلال وما ينتظر دولهم من عمل للقضاء على الصراعات والتخلف السياسي والاقتصادي". نهروا في خطابه أكد لزعماء عدم الانحياز أن الاستقلال سيفتح عليهم صندوق البندورة. في احتفائيتنا أمس بذكرى الاستقلال فكرت كثيراً في صندوق بندورتنا الذي ظل مفتوحاً 56 عاماً وماذا تحقق من آمال وأحلام جيل الاستقلال وإذا ما كانت ذات التحذيرات مستمرة معنا إلى يومنا هذا.. الواقع يقول إن استقلال السودان فتح على أهله بالفعل صندوق البندورة ولا زال.. فنحن الأكثر تأثراً بالصراعات الداخلية والإقليمية من مجموعة الدول الإفريقية ولا زلنا ونحن الأكثر عرضة للهزات الاقتصادية والسياسية ولا زلنا لم نستفد من جيل التحرر الوطني الذي حررنا من الاستعمار ليقود جيلنا والذي سبقنا عمليات التحرر السياسي والاقتصادي التي دعا لها الزعيم نهرو وكل زعماء التحرر في تلك الحقبة. الواقع يقول إن الاوضاع التي يعيشها المواطنون تزداد سوءا رغم التقدم الذي ينتظم دول العالم الأول. في الذكرى ال56 لاستقلال السودان كان على القيادة السياسية في البلد أن تضع هدفا واحدا وتختبر نسبة تحققه خلال العام وإلى الاحتفال بالذكرى 57.. هدفا يمكن تحققه على أرض الواقع.. هو الاستقرار السياسي. أن تجزم قيادتنا بأن العام 57 لاستقلال السودان سيكون احتفالاً بانتهاء الصراع السياسي وحل القضايا الداخلية بالحوار الداخلي. من المؤكد أن الاستقرار السياسي ونهاية الصراعات المسلحة هو الهدف الوحيد أو لنقل هو القاطرة التي تجر خلفها عمليات الاستقرار الاقتصادي والبناء والتنمية والاستقرار الاجتماعي والسلام الاجتماعي والهدوء النفسي. عندها علينا أن نقيم المهرجانات الاحتفالية والخطب الرنانة التي تقع في نفوس موقع صدق. بلا شك أن ازمتنا الاقتصادية ليست كما يصورها الكثيرون بأنها أزمة خروج إيرادات النفط من الخزينة العامة.. أزمة السودان الحقيقية ومنذ استقلاله هي أزمة سياسية وصراع سياسي أدى إلى ازمة وتدهور اقتصادي.. كنا نظن أن نهاية الصراع المسلح مع الجنوب ستنتهي مع الانفصال رغم ما فقد من موارد نفط.. ظن لم يكن في محله لأن الأزمة مع الجنوب لا زالت تراوح مكانها مع استمرار أزمة دارفور أضيف إليهما جنوب كردفان والنيل الأزرق. اذن استمرار الأزمة السياسية والصراع هو ما يجعل اقتصادنا غير قادر على التكيف.. إذا لم يقف الصراع السياسي والمسلح داخل حدودنا الجغرافية لن نتوقع أي انتعاش للاقتصاد الوطني. البلاد ليست في حاجة إلى موارد نفط بقدر حاجتها إلى وقف الصرف الكبير على الصراعات المسلحة وتبعاتها من ترضيات سياسية إلى لجوء ونزوح وهجر للزراعة والمرعى بسبب عدم الأمن. أوضاع البلاد ما بعد الاستقلال لم تحقق المرجو بالعيش الكريم في ظل استقرار وتمتع بخيرات البلاد التي كانت تذهب إلى المستعمر. كل الحكومات الوطنية المتعاقبة فشلت في تحقيق آمال الناس لأنها ببساطة لم تفكر في صندوق البندورة الذي حذر منه نهرو. وعدنا نحلم أن ميزانية الصحة والتعليم للعام 2012 تفوق ميزانية الدفاع والأمن. كل عام وبلدنا في أمن وأمان وسلام.