سعاد إبراهيم أحمد.. امرأة لا يهزمها إلا الموت بروفايل: خالد أحمد هي من جيل الصمود والتضحيات الكبيرة، الذين إذا قالوا كلمة وسجلوا موقفاً لا يتزحزحون منه شبراً حتى يتوسدوا التراب، وهذا ما يتجسد في القيادية بالحزب الشيوعي والاتحادي النسائي سعاد إبراهيم أحمد، التي توسدت التراب أمس مُنهيةً تاريخاً طويلاً من العمل العام، ظلت مشغولة به حتى آخر لحظات حياتها، ولم يمنعها المرض من التعليق على مجريات الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد. (ماما سعاد) كما يحلو أن يناديها الناس، كانت متمردة على كل شيء، وهي التي ولدت وسط أولاد، وخرجت أكثر صلابة لمواجهة الحياة، وسجلت اسمها في الدنيا عام 1935م، بمدينة أمدرمان. وترجع أصولها لمنطقة حلفا القديمة، والدها إبراهيم أحمد أستاذ بقسم الهندسة بكلية غردون، وينتمي لحزب الأمة، وعمل وزيراً للمالية، ووفّر لها البيئة الحرة لتفكر وتختار درب التعليم والمعرفة، فدخلت المدارس في زمان يعتبر هذا "عيباً" حتى وصلت إلى جامعة الخرطوم في العام 1955م، ومن هنا استطاعت الجامعة أن تعيد صياغتها وترتيب عقلها وتوجيهه فكرياً، وأول ما جذب انتباهها المسرح والتمثيل، وأنشأت فرقة شغلت وقتها جامعة الخرطوم، فضجّت الجامعة بهذا الإبداع لتشقّ طريقها الفكري بعد أن قرأت بشكل متعمق الماركسية وسط نقاشات مع الطلبة الديمقراطيين، لتختار الانضمام للحزب الشيوعي في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، لتبدأ صفحة جديدة من حياتها السياسية والعملية. ترفيع قوي في أكتوبر عام 1967م، اختيرت سعاد، ضمن أربع نساء أخريات، لعضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، ومنذ ذلك التاريخ وإلى يوم وفاتها ظلت سعاد شيوعية ملتزمة وعضواً باللجنة المركزية للحزب. يقول عنها الصحفي جمال همت: "عُرفت سعاد بمبدئيتها وصدقها وجسارتها في الوقوف مع الحق، ناضلت سعاد من أجل قضايا المرأة، وحقوق المهمشين وقضايا القوميات، ويعرفها الجميع بوقفتها الصلبة ضد تهجير النوبة منذ قيام السد العالي وإلى سد كجبار". وكانت أحد أبرز قادة التظاهرات المناهضة لقيام السد العالي وتهجير أهالي وادي حلفا. وفتحت دارها للقاءات واجتماعات مناهضي السدود، حتى نالت بشرف وجدارة لقب (أم النوبيين)، وكانت سعاد أول طالبة يتم انتخابها للجنة التنفيذية لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم، وأحد مؤسسي معهد الدراسات الإضافية بجامعة الخرطوم، وعملت لفترة بالتدريس بالمعهد. ظلّت سعاد صوتاً جهوراً صادحاً بالحق ومنحازاً لقضايا النساء وحقوق القوميات، شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات الخارجية ممثلة للمرأة السودانية. سعاد استطاعت أن تحجز لها مقعداً في الحياة السياسية، وقد نالت من الاعتقالات والسجون ما يقارب العامين في فترة نميري، ولكن هذا لم يجعلها تتخلى عن أفكارها ومبادئها. قضايا نضالية سعاد تقول إن أكثر ما يعجبها في الحزب الشيوعي، أنه منحاز لقضايا المرأة، وعمل على الدفاع عن حقوقها. وقد ظلت سعاد قيادية في الاتحاد النسائي، وساعدت النساء على النضال من أجل إيقاف الزواج المبكر والختان وكل أشكال قمع المرأة. القضية الثانية التي كرسّت لها حياتها، وهي الدفاع عن أراضي النوبة، إذ قادت التظاهرات عند بناء السد العالي، وظلت حتى الوقت الحالي تدافع عن حق النوبيين في أراضيهم، ووقفت ضد بناء سدود جديدة في الشمال، وكانت تهتم كثيراً بالتراث والتاريخ النوبي حتى نالت لقب (أم النوبيين). وهم بالأمس بكوا عليها بكل لغات النوبة وافتقدوا رحليها مثل كل هذا الشعب. عدد من الأحزاب والقوى السياسية نعت سعاد في مقدمتها المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي قال: "برحيلها يفتقد الوطن مناضلة جسورة ظلت لآخر رمق في حياتها ملتزمة بمبادئ حزبها مخلصة لقضية الاشتراكية والتقدم في بلادنا ومنحازة للطبقة العاملة وكل الكادحين على امتداد الوطن". أمس، ومع نهاية العام 2013م، رحلت (ماما سعاد)، وحملت إلى مقابر فاروق مغطاة بعلم السودان، على أكتاف المئات من أنصار الحزب الشيوعي، والشعب السوداني، لترقد هناك بالقرب من رفيقها محمد إبراهيم نقد، وكل السابقين.. لترقد بسلام.