للغرابة فإن منسوبي الحزب الحاكم أنفسهم عارضوا التشكيل الحكومي الجديد: رئيس ونائبان وعشرات المساعدين والمستشارين والوزراء. إضافة لوزراء الولايات، و(وزراء السيسي) وهذه طبقة جديدة من الوزراء نتجت كمعالجة لتعنت حركة التحرير والعدالة في مفاوضات الدوحة وتمسكها بلقب وزير لتسمية موظفي سلطة دارفور الانتقالية الكبار، مقابل الطرح الحكومي الذي كان يقترح لقب أمين/ سكرتير لأن الدستور يقر فقط مستويين للتوزير: فيدرالي وولائي. بعيداً عن الولايات ووادي أعراف السيسي، فإن الأمر المحوري هنا أن كافة أعضاء الحكومة الفيدرالية فيما عدا الرئيس ليس لديهم تفويض شعبي، أي غير منتخبين في مناصبهم التي يشغلونها، وبالتالي فهم مفوضون من قبل رئيس الجمهورية القادر- نظرياً - على تغييرهم جميعاً دون أن يقع في مخالفة واحدة للدستور أو القانون. بهذا المعنى فإن دعوى الترهل غير ذات موضوع فالسلطة غير مترهلة وكافة القرارات خاضعة ل(لا ونعم) شخص واحد فقط. منذ سنوات عرف السودانيون طريقاً جديداً للحصول على الوظائف الدستورية الرفيعة وهو طريق إنشاء التنظيمات المسلحة. لكن بالرغم من هذا فإن الوزارات ليست سهلة فقد احتاج السيد بحر أبوقردة على سبيل المثال إلى خمس تنظيمات دمجها في (الجبهة المتحدة للمقاومة) ثم اندمج بها في حركة التحرير والعدالة ليكون حاصل هذه العملية وزير صحة. كل من يترأس تنظيماً مسلحاً يرغب في الحصول على وزارة مما اضطر الإنقاذ لإنشاء عشرات الوزارات لتسكين هؤلاء الثوار وطلباً للسلام. أفرغت كثرة طلاب الوزارات اسم الوزير من معناه كما أن كثرتهم جعلت من غير الممكن عملياً جمع كل هذا العدد للتشاور أو اتخاذ القرار. وقت الرئيس أو نائبه الأول لن يسمح لإجراء محادثة تلفونية واحدة مع كل هؤلاء كرة في الشهر أما اللقاء المنفرد فهو أمر لن يتكرر في حياة الكثير من أفراد الطاقم الوزاري. هكذا فصلت الإنقاذ- بناء على ضغط الثوار- بين الحكومة والسلطة فصار من غير الضروري أن يكون الشريك في الحكومة شريكاً في السلطة والقرار. لو نظر طلاب المشاركة في الحكومة بروية إلى ما فعلوا لوجدوا أنهم دفعوا الإنقاذ إلى الانفراد أكثر بالسلطة مقابل إشراكهم في الحكومة! على هذا الأساس، لا بأس من إنشاء الوزارات الجديدة لإسكات أصوات السلاح ولا بأس من خلق هياكل شبيهة بهيكل السيسي لاستيعاب جماعات الحلو وعقار فأمر توسيع الحكومة كله أيسر وأفضل من الحرب والاقتتال. في كل يوم تنشيء الإنقاذ وزارة أو مستشارية جديدة تجد نفسها أكثر قوة وانفراداً بالنفوذ. كلما سمعت الإنقاذ بنشوء فصيل معارض جديد، كلما ابتسمت في سرها فوجود كل هذه التنظيمات المعارضة سيجعل من إمساكها من مفاصل السلطة وصناعة القرار أمراً ضرورياً لجميع الشركاء مما يجعل سلطتها في مأمن من أي تهديد، حظاً سعيداً للجميع! www.dabaiwa.com