:: دولة عربية صغيرة، أي بحجم جزيرتي توتي وبدين تقريباً، وذات كثافة سكانية بحجم كثافة الأهل بالحاج يوسف أو الكلاكلات تقريباً، أي (2.5 مليون نسمة).. لهذه الدولة نهج اقتصادي (غريب جداً)، إذ تبدو على مظهر أفراد شعبها كل علامات الثراء والرفاهية ودعة العيش ورغدها، بيد أنك حين تحدق في جوهر الحال تكتشف أن كل الشعب (مديون).. نعم، بأمر النهج الاقتصادي للدولة، فالنظام المصرفي هناك لا يشجع أفراد الشعب على (الإنتاج)، بل يدفعهم دفعاً إلى (الاستدانة).. يتعلمون بالديون، ويشيدون منازلهم بالديون، ويتزوجون بالديون، ولذلك يظل الفرد منهم مديوناً للمصارف من (المهد للحد).. وإذا أراد أحدهم أن يغادر البلد لأي أمر، ليس بمقدوره فعل ذلك ما لم (يوافق البنك).. ولذلك، يسخرون من أنفسهم بأنهم (شعب مسجون)..!! :: المهم.. رصدتُ بصحف الأسبوع الفائت إعلاناً مضحكاً ومحزناً لأحد المصارف.. كان مصرفاً عاماً ثم باعته الحكومة لبعض العرب ب(الأقساط المريحة)، وسددوا القيمة من أرباح المصرف عاماً تلو الآخر، وفقد الشعب (مصرفاً ناجحاً). يُعلن هذا المصرف عن برنامج لتمويل الزواج.. نعم، العرس الواحد ده.. مدة التمويل ثلاث سنوات كحد أقصى، وبهامش ربح (12%) سنوياً، وبتمويل أقصاه (150 مليون جنيه).. وكل المطلوب، حساب توفير أو جاري، وكذلك أن يكون مقدم الطلب (العريس، العروس، والد وأم العريس، والد وأم العروس).. ولا أدري إن كان عليهم جميعاً التوقيع على الطلب أو أحدهم يكفي؟.. نأمل أن يكون أحدهم، أي العريس -أو والده- فقط، إذ ليس منطقياً أن يذهب العريس إلى والد العروس طالباً: (يلا أرح أضمنّي في البنك عشان أجيب ليكم شيلة بنتكم)..!! :: ثمة سؤال مهم على هامش هذا الإعلان: (ليه ده كلو؟)، أي لماذا يكون الزواج عصياً على الشاب لحد اللجوء إلى المصارف بغرض التمويل؟.. ما الذي يمنع العريس والعروس من الاتفاق بحيث لا تتجاوز تكاليف زيجتهما ربع القيمة المذكورة أعلاه بدون تمويل مصرفي أو شروط من شاكلة (جيب الضامن)، أو (ح نرهن المدام لحدما تسدد)؟.. لماذا نهجر السنة ونفارق الشرع بغرض (البوبار)؟.. ولماذا لا يتواضع الجميع بحيث (يمد كراعو قدر لحافو)، أو كما يقول مثلنا الشعبي؟.. نعم، نفهم -ونتفهم- أن مراحل ما قبل الزواج، وهي مرحلة البحث عن فرص التوظيف ثم مرحلة الكد من أجل تأسيس المنزل وتأثيثه، مراحل عصية على الشباب ومرهقة للغاية.. وقد يُرغم تجاوز هذه المراحل الشباب على الاستدانة من المصارف والأفراد، وهذا (وضع طبيعي)..!! :: ولكن ما ليس طبيعياً، هو أن يُكمل الشاب كل تلك المراحل الصعبة بنجاح، ثم يقصد البنوك بغرض تمويل (الشيلة أو ليلة الزفاف)، وخاصة أن البنك صاحب الإعلان -حسب برنامج التمويل- يطرح للراغبين في تمويل زيجاتهم (خمس صالات أفراح)، بعضها بالخرطوم وأخرى بالخرطوم بحري، باعتبار أنها الصالات التي يتعاقد معها هذا البنك.. أي أن قيمة التمويل -مائة وخمسون مليون جنيه كحد أقصى- تورد لحساب (صالة أفراح)، وهذا ما يسمى شعبياً (بوبار بالأقساط).. وهل العريس (البوبار بالدين) قادر على تحمل تكاليف (الحياة الزوجية)، أي حياة ما بعد الزواج؟ أو هكذا يجب أن يسأل والد العروس نفسه قبل أن يزج بابنته في هذه (المرابحة أو المغامرة).. ثم كيف لهذا العريس أن يتوفق -بعد البوبار بالتمويل المصرفي- في دفع أقساط البوبار للمصرف، بجانب الصرف على البيت ودفع رسوم (النفايات والعوائد)؟.. ما لم يلتحقا -بعد الزواج مباشرة- في وظيفتين مناسبتين، بحيث يسدد العريس أقساط التمويل وتتحمل العروس تكاليف البيت، فالعريس (ح يقضي شهر العسل في السجن).. على كل حال، ننتظر.. أي مطلوب تجارب لنقيم التجربة، ولقد أحسن البنك عملاً بعدم وضع شروط من شاكلة رهن العروس لحين إكمال العريس (أقساط التمويل)!.