:: قبل سنوات، في إطار مكافحة ختان الإناث، أصدر الدكتور كمال عبد القادر، الوكيل السابق بوزارة الصحة الاتحادية، قراراً بإعفاء غير المختونات من رسوم الكشف والتوليد بالمشافي المركزية. وأثار القرار اهتمام الصحف ومجالس الناس، وتم تداوله ب(سخرية كثيفة).. ولكن، رغم ضعف الحافز، أي إعفاء تلك الفئة من الرسوم، نجحت وزارة الصحة -عبر مجالس الناس والصحف وسخريتها- في إرسال رسالة مؤثرة إلى المجتمع بذاك القرار. أي، تفوقت الوزارة بذاك القرار على الندوات والمحاضرات، وبمنتهى الهدوء وبلا ميزانية إعلام في توصيل رسالة مفادها (لا تختنوا بناتكم!). :: واليوم أيضاً، أي كما الحال في عام ذاك القرار، تنجح وزارة الصحة أيضاً في إرسال رسالة أخرى مؤثرة إلى المجتمع بمنتهى الهدوء -وبلا ميزانية إعلام- مفادها: (لا تدخنوا، فالتدخين ضار بالصحة).. نعم الكل يعلم مضار التدخين والمدخن (أكثرهم علماً)، ومع ذلك يبقى تذكير المجتمع وتنبيهه بالمضار من واجب كل السلطات بما فيها (وزارة الصحة).. وفي هذا الإطار، أي في إطار مكافحة التدخين، نظمت الوزارة دورة تحدث فيها العلماء والأطباء حديثاً غزيراً عن أضرار التدخين وأهمية مكافحته.. ولكن من محيط الدورة وبحر حديث العلماء والأطباء، لم تخرج الصحف إلا بالخبر الآتي: (هيئة علماء السودان تُحلل للمرأة طلب الطلاق من زوجها المدخن)، هكذا جاء الخبر مانشيتاً بكل صحف الخرطوم، وسوف يتحول إلى حديث المجالس اعتباراً من اليوم والأيام التالية!!. :: لو كنت وزيراً بالصحة، لصرفت حافزاً للشيخ محمد هاشم الحكيم، عضو هيئة علماء السودان، خصماً من (ميزانية الإعلام).. بهذا الرأي الفقهي -وبغض النظر عن الخطأ والصواب- نجح الشيخ الحكيم في تذكير وتنبيه عامة الناس وأسرها إلى أضرار التدخين.. وعندما يتندر الزوج المدخن مع زوجته حول فتوى الشيخ الحكيم، فإن أضرار التدخين -والتفكير في الإقلاع- لن تكون غائبة عن (تندرهما).. وكذلك عندما يتآنس الأصدقاء في مجالسهم بفتوى الشيخ الحكيم، فإن أضرار التدخين -وضرورة الإقلاع- لن تكون غائبة عن (مجلس الأنس).. بل، حتى عندما يتساجل البعض حول الفتوى ذاتها، ما بين القبول والرفض والسخرية، فإن أضرار التدخين -وأهمية الإقلاع- لن تكون غائبة عن (السجال).. وهكذا.. :: وعليه، قصد الشيخ الحكيم أو لم يقصد، وكذلك قصدت وزارة الصحة أم لم تقصد، فالمجتمع تلقى -عبر الفتوى- تذكيراً بليغاً وواسعاً عن مخاطر التدخين وضرورة الإقلاع عنه، وهذا (أصل القضية)، وقد غلفه الشيخ الحكيم بغلاف يهواه المزاج العام، وهو (المرأة).. ولكن بهذا التغليف، أصبح حال الشيخ الحكيم -منذ البارحة- كحال ذاك الرجل الذي أشار إلى الناس - بسبابته- إلى حيث الهلال، فتركوا أمر الهلال وشرعوا يحدقون في ( السبابة).. نعم، فالسواد الأعظم سوف يغرق في (من حقها تطلق، لا ما من حقها تطلق، هي بقت على السيجارة؟ يعني الشيخ ده ما لقى موضوع غير التدخين؟، وووو).. أو هكذا دائماً مزاج البعض في بلادنا، يرفض من أجل الرفض أو (يبرر المرفوض).