:: الإمام علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، يدخل مسجداً بعد أن يُلسم لجام بغلته لأعرابي.. ثم يعود بنية تحفيز الأعرابي بدرهمين، ولكن يجد البغلة بلا لجام، فالأعرابي قد مضى بها (سارقاً).. ويناول غلامه الدرهمين ليشتري لجاماً للبغلة، ويقصد الغلام سوق الديار ثم يعود باللجام المسروق، أي باعه السارق للغلام بدرهيْميْن.. وهنا يقول علي كرَّم الله وجهه: (إن العبد يحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر).. أي لو صبر هذا السارق لرزقه الله بالدرهمين (حلالاً طيباً). ومن نفائس الشيخ الشعراوي، عليه رحمة الله، في تفسير ذلك الموقف: (السارق يسرق رزقه، ولو صبر قليلاً لحصل عليه، ولكنه استعجل أمر ربه وسرقه، فأصبح حراماً).. وعليه، كما الانتصار في الحرب (صبر ساعة)، فالانتصار على هوى النفس الأمّارة بالسرقة أيضاً (صبر ساعة)، مع الاعتبار أن الساعة -حرباً وكسباً- أعمق رمزية لقياس درجة الإيمان، وليس (التوقيت الزمني). :: وابن السودان بالسعودية، علي جاد الرب علي أحمد -من أبناء قرية الفردوس بريفي رفاعة بولاية الجزيرة- كان قد أقسم للسعودي الذي اختبر أمانته بشراء شاة بمائتيْ ريال: (ورب الكعبة لو أديتني 200 ألف ريال ما أبيع ليك حاجة ما حقتي)، أو هكذا أقسم بمقطع الفيديو الذي تحول إلى مادة إعلامية بإعلام الخليج والمواقع الإلكترونية ومجالس جاليتنا هناك.. وقبل أن يمضي أسبوع نشر المقطع وعرضه ببعض فضائيات الخليج، تنهال التبرعات والحوافز -بجانب الدعوات الصالحات- على الراعي (علي جاد الرب). الشيخ السعودي إبراهيم الدويش يحفزه ب(20.000 ريال)، والمواطن السوداني أحمد محمد أحمد صالح يحفزه ب(10.000 ريال)، والمواطن السعودي أبو محمود يحفزه ب(2000 ريال)، و..(32.000 ريال)، عفواً، هذا ما رصدته خلال إطلاع سريع لبعض الذين تفاعلوا مع مقطع الفيديو، وبالتأكيد هناك آخرون. :: تأملوا.. فالحرام الذي تم عرضه لعلي جاد الرب بتلك الفيافي ( 200 ريال).. ليس مهماً إن كان العرض اختباراً أو جدياً، إذ علي جاد الرب لم يكن يعلم نواياهم.. فالمهم، رفضته نفسه المؤمنة بقيم الدين ومكارم أخلاق أهل الأرض، ليكسب (32.000 ريال)، أو أكثر، حلالاً طيباً، هذا غير سيل الدعوات الصالحات.. فالذي يغادر أهله ووطنه ليعمل راعياً بتلك الفيافي البعيدة عن المدائن والأرياف، نظير مبلغ لا يتجاوز (1000 ريال)، هو أكثر الناس تعباً وحاجة إلى المال، ومع ذلك هم الأعمق صبراً وقناعة.. نعم، تحيط بهم وبظروف حياتهم وأوضاع أسرهم كل (دوافع السرقة)، ومع ذلك يقهرون دوافع الحياة الدنيا بتذكر ما هم عليه مقبلون في حياة الآخرة، وهذا ما جسده علي جاد الرب قولاً وهو يرفع سبابته إلى السماء: (لمن أرقد في الشبر، ح يحاسبني الله ولا إنت؟)، عندما قال السعودي: (بعني نعجة، وقول ضاعت، ماف حد بيشوفنا)!! :: المهم.. حياتنا العامة، قبل الخاصة، بحاجة إلى صدق وصبر وأمانة (علي جاد الرب).. نعم، لكي يتشبع المجتمع وأفراده بمثل هذه القيم والفضائل وكل مكارم الأخلاق، لا بد من قدوة يقتدون بها، ولا بد من ولاة أمر يكونون (خُداماً) وليسوا (حكاماً)، وقديماً قيل الناس على دين ملوكهم.. وأن يحتفي أهل الخليج بأمانة علي جاد الرب قد يبدو طبيعياً لمجتمع يكتظ بالأجانب الوافدين بغرض المال.. ولكن، عندما يحتفي مجتمعنا السوداني -كما مجتمع الخليج- بأمانة علي جاد الرب، فهنا علينا طُرح سؤال متوجس من شاكلة: (ما الجديد في الحدث، لنحتفي به؟)..حسب تاريخ أجدادنا وما توراثناه من فضائلهم وكريم خصالهم؛ كل فرد في مجتمع بلادنا (علي جاد الرب)، فما المُدهش؟.. سؤال إجابته تعيدنا إلى أهمية اختيار القدوة في كل ساحات العمل العام، بحيث يكون هذا المقتدى به قادراً على ترسيخ الفضائل في المجتمع!.