صفحة د خالد موسي ليوم الاحد 16 مارس محمد حاج ماجد سيرة داعية من عطبرة إلى البيت الأبيض(2-2) اجتهد الإمام محمد ماجد وأسهم بشكل كبير في محاربة ظاهرة العنف الأسري داخل مجتمعات المسلمين خاصة بعد حادثة اغتيال امرأة مسلمة تدعى عائشة حسن، ووجه خطابا قويا للأئمة وقادة المجتمع، داعيا لتضافر الجهد والتعاون لمحاربة هذه الظاهرة. ونبه إلى أن حماية المرأة من العنف واجب ديني، وحث الجميع على توفير الحماية والدعم والمساعدة لضحايا العنف الأسري، وأكد أن المرأة التي تطلب الطلاق من زوجها بسبب العنف والاضطهاد والضرر الجسدي يجب أن يقدم لها الدعم والمساندة والتعاطف والنصح والإرشاد، لا أن ينظر لها باعتبارها ناشزا تجلب السبة والمهانة لأسرتها.وطالب المجتمع بتعليم وتوعية الأزواج لإحترام الأسس القرآنية للزواج التي تقوم على الاحترام والمودة والرحمة والسكينة. بهذا الخطاب الراشد والتعاون مع الوكالات الحكومية المتخصصة استطاع الإمام محمد ماجد تدشين حملة قوية لمحاصرة العنف الأسري ضد النساء وسط مجتمعات المسلمين، ونجح إلى حد كبير بمساعدة آخرين في محاصرة الظاهرة بفضل نشر التعاليم الدينية وتوعية الأزواج وابتدار برامج وورش عمل وتقديم الدعم والمساندة لضحايا العنف. تمتد تعاليم الإمام محمد ماجد لمحاربة الإرهاب والعنف بكافة أشكاله وأنماطه، وقد صرح في هذا الصدد من خلال منصبه كنائب لرئيس جمعية مسلمي أمريكا الشمالية منددا بحادثة استهداف متحف الهولوكست بواشنطون في 10 يونيو 2009، معتبرا أن حوادث العنف القائمة على الكراهية والعنصرية تستهدف استقرار النظام الاجتماعي، وإذا استفحل هذا النهج فسيكون المسلمون هم أول ضحاياه. وفي مبادرة جريئة باعتباره قائدا دينيا أمريكيا قاد الإمام محمد ماجد عددا من أئمة وقادة المسلمين لزيارة متحف الهولوكست حيث أعربوا عن شجبهم وإدانتهم لمشاعر العداء للسامية، وإنكار حقيقة المحرقة اليهودية. ربما يحتج البعض عن قيادة الإمام محمد ماجد لمبادرة شجب العداء للسامية ولكن هذه القضية أصبحت من مسلمات الحياة الأمريكية، وباعتباره مواطنا أمريكيا وقائدا دينيا لا يمكنه إغفال هذه الحقيقة وعليه التعامل معها للحفاظ على مصداقيته وفعاليته وسط المجتمع الأمريكي.ربما يخالف البعض هذا التقدير ولكن النجاح الأساسي الذي يحسب للإمام محمد ماجد أنه إجتهد في بناء خطاب ومؤسسات تمثل تطلعات و أهداف المسلمين الأمريكيين، حسب التقاليد والأعراف والقوانين الأمريكية السائدة، ولم يجنح لتبني الخطاب الديني المتطرف المستورد من الشرق الأوسط الموبوء بقضايا ومشاكل العالم الإسلامي الثقافية والسياسية والإجتماعية، ولكنه فضل المشاركة في بناء تيار أمريكي أصيل يعبر عن قضايا المسلمين الأمريكيين بإعتبارهم جزءا حيويا وفاعلا في شعاب الحياة الأمريكية العامة. في هذا الصدد كتب أيضا روان سترانبورغ الكاتب المتخصص في الشؤون الأمنية ومؤلف كتاب (حرب رامسفيلد) و كتاب (رامسفيلد والس أي أيه) الذي حصل على جائزة أفضل الكتب مبيعا في قائمة صحيفة النيويورك تايمز- كتب مقالا- في مجلة Human Events في أكتوبر 2009 حول العلاقات المضطربة بين مجتمعات المسلمين، ووكالات إنفاذ القانون في الولاياتالمتحدة خاصة وكالة التحقيقات الفيدرالية. وقال إن الوكالات المختصة في حفظ النظام العام، ووكالات إنفاذ القانون الأمريكية، تحتفي بالنموذج المعتدل الذي يقدمه الإمام محمد ماجد في محاربته للتطرف والتعصب واستخدام العنف، وإشاعة روح السلم والتسامح بين المسلمين والمجموعات الدينية الأخرى المكونة للشعب الأمريكي. في 18 نوفمبر 2009 تصدى الإمام محمد ماجد للعلاقة القوية بين حاكم ولاية فرجينيا المنتخب بوب ماكدونيل والقس الأيفاجيليكي بات روبتسون الذي يجاهر بالعداوة والكراهية للمسلمين. وإنتقد الإمام محمد ماجد قبول حاكم ولاية فرجينيا في حملته الإنتخابية تبرعا من القس روبتسون بمبلغ 25 ألف دولار باعتباره داعيا للكراهية لأنه وصف الإسلام بأنه نظام للعنف السياسي وليس دينا ربانيا. وقال روبتسون الذي أسس منظمة التحالف المسيحي عام 1988 في حملة الكراهية بأن المسلمين الأمريكيين الذين يبلغون ثمانية ملايين يجب أن يعاملوا مثل أعضاء الأحزاب الشيوعية أو الفاشية. ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قاتل ومصاص دماء. كما وصف الإسلام بأنه دين للعبيد والنازيين. وطالب الإدارة الأمريكية بعدم تعيين أي مسلم في أجهزة الحكومة المختلفة. وقاد الإمام محمد ماجد حملة انتقاد شعواء ضد القس روبتسون لإشاعته الكراهية ضد المسلمين، وطالب حاكم ولاية فرجينيا بالتبرؤ من العلاقة السياسية والمالية والأيدلوجية مع القس روبتسون لأن ذلك يقدح في موقفه السياسي والأخلاقي من المسلمين. و طالبه بأن يكون حاكما على كل الأمريكيين بمن فيهم المسلمين، وألا يقترب سياسيا أو يستلم أموالا وتبرعات مع من يشيع الكراهية ضد إحدى مكونات المجتمع الأمريكي الحيوية. وتصدي إمام ماجد من قبل أيضا إلى عضو الكونغرس فرانك ولف في شمال فرجينيا عندما حاول أن يتخذ مواقف في الكونغرس تضر بمصالح ومواقف المسلمين في المنطقة. في إطار جهوده لتجسير الهوة بين الإدارات الأمريكية المختلفة ومنظمات المجتمع المدني المسلمة، عقد الإمام محمد ماجد مئات الاجتماعات مع المسئولين الحكوميين وأعضاء الكونغرس لمناقشة العديد من القضايا التي تهم المسلمين، و التقى في هذا الصدد في يونيو 2009 بالرئيس باراك أوباما ضمن القادة الدينيين لمناقشة قضايا العنف الأسري مع الرئيس في يوم عيد الأب. وتعد هذه الدعوة تكريما واعترافا بجهوده في خدمة المجتمع الأمريكي سيما وأن الإمام محمد ماجد سبق وأن التقي بالرئيس السابق جورج بوش في مناسبات مختلفة ضمن قادة المجتمع الديني بالولاياتالمتحدة. وقد ثمن إمام ماجد في تصريحات صحفية من جهود الرئيس أوباما بعد تسلمه مقاليد الرئاسة في سعيه الحثيث لتدعيم الاتصال بالمسلمين، والاهتمام بقضاياهم بل وتوظيف نسبة مقدرة منهم في أفرع إدارته المختلفة بما في ذلك وزارة الخارجية والبيت الأبيض. وقال إمام ماجد أنه رغم العثرات وإرتفاع التوقعات الكبيرة لأداء الرئيس أوباما، إلا أنه يستحق الإشادة، لسعيه الجاد للتعاطي الإيجابي مع المسلمين واستيعابهم ضمن طاقم إدارته رغم حملة الكراهية التي يقودها بعض المتطرفين ضد المسلمين. نسبة لكل هذه الجهود والإنجازات التي سردنا منها النذر اليسير، اختارت مجلة Washingtonian في عددها الصادر يوم 1 يناير 2010 الإمام محمد ماجد ليكون شخصية واشنطون للعام 2009، مع الراباي موسانشيك لتعاونهما المشترك لترقية التفاهم الديني، ومحاربة الكراهية والعنف المرتبط بدوافع أيدلوجية ودينيةWashingtonians of the Year: Imam Mohamed Magid. هذا وقد ظلت هذه المجلة تختار على مدى الأربعين عاما الماضية إحدى الشخصيات التي قدمت خدمات جليلة للمجتمع ليكون شخصية العام. ويقف على رأس لجنة اختيار شخصية العام الصحفية المخضرمة ليسلي ملك الحائزة على عدة جوائز قومية في مجال الصحافة. وجاء في حيثيات الاختيار أن الإعلان عن شخصية العام ربما يكون مميزا بعض الشسء لتضمنه اختيار شخصيتين مسلمة ويهودية في ذات الوقت. ولكن الحقيقة تقول إن كلا من الإمام محمد ماجد، والراباي روبرت موسانشيك، من خلال نفوذهما الروحي وقيادتهما الدينية الحكيمة إستطاعا ترقية التفاهم وإقامة حوارات إيجابية بين معتنقي الديانتين خلال الأعوام الستة الماضية. ووقف الرجلان معا لمحاربة العنف، وقاد ذلك التفاهم إلى أن يستخدم المسلمون غرفة في أحد معابد اليهود في المنطقة لإقامة صلاة الجمعة لعدم توفر مقر آخر. و في إطار مناشط حوار الأديان خاطب الراباي نوساشيك أكثر من ألف مصلٍّ عقب صلاة الجمعة، بينما خاطب الإمام محمد ماجد في ذات المساء مئات اليهود وأسرهم وأطفالهم. وابتدر الجانبان مشاريع مشتركة لإيواء المشردين، والاستقامة في تربية الأبناء. وقاد هذا الحوار لترقية واكتشاف المشتركات دون إثارة الخلافات الدينية وقال الإمام محمد ماجد: " إن أمريكا هي أنسب الأماكن لترقية التفاهم والتعاون بين الأديان في إطار من الاحترام والحرية، ولهذا نرجو أن يستفيد العالم من هذه التجربة وان يعمل على تطويرها للتخفيف من غلواء العداء والكراهية والعمل لإشاعة السلام وقيم الحوار المشترك". حسب الدراسات المتوفرة، خاصة من الدكتورين محمد وقيع الله وأحمد أبو شوك، هناك ثلاث شخصيات سودانية لعبت دورا مؤثرا في مجال العمل العام والنشاط الدعوي في أمريكا، أولها الشيخ ساتي ماجد الذي يعتبر أول سوداني هاجر إلى الولاياتالمتحدة في الفترة من 1904 إلى 1929 وحاز على لقب شيخ الإسلام بأمريكا الشمالية، ومن ثم الشيخ أحمد حسون الذي عمل في منطقة نيويورك وأشرف على عملية تكفين الزعيم مالكوم أكس بعد اغتياله حسب شهادة أليكس هيلي كاتب الجذور، ومحرر مذكرات مالكوم أكس وكذلك الدكتور أحمد عثمان الذي حصل على الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة هارفارد وهو الذي تكفل بالتوجيه والإرشاد الفكري لمالكوم أكس حسب دراسة الدكتور محمد وقيع الله الحصيفة (أربعة مؤثرات سودانية في فكر مالكوم أكس). ولكن بلا شك فإن الإمام محمد ماجد يحتل مكانا مرموقا بين هؤلاء لاختطاطه منهجا مختلفا عن سلفه، فهو لم يندغم في التيارات والحركات القائمة على الاحتجاج والتمرد على النظام الأمريكي ولم يكتف بأساليب الدعوة والإرشاد التقليدية، ولكن طور من حصيلته الفقهية والعلمية بدراسة العلوم الاجتماعية الغربية في المدارس والجامعات الأمريكية، ومن ثم استنبط منهجا وسطيا معتدلا يقوم على فقه المقاصد فهو لا يضع مبادئ وقيم الإسلام في صدام حتمي وتاريخي مع مفردات ومضامين الثقافة الغربية، بل يمازج بين قيم وأساليب الحياة الأمريكية الموجبة ويصبغ عليها آلاء القيم الإسلامية ويقدم إجابات عصرية لتساؤلات الشباب الذي تأكله الحيرة بين ثقافة المجتمع المفتوح، وفتاوي الشيوخ التقليدية التي تجعل من كل مظاهر الحياة الأمريكية من المحرمات القطعية. ولعل الإنجاز الأكبر في حياة الإمام محمد ماجد الدعوية حتي الآن ليست في تفرده وتميزه في استنباط مناهج إسلامية للاستشارات النفسية والدينية والاجتماعية والأسرية، ولا دوره النشط في برامج حوار الأديان وترقية أسس التعاون المشترك بين معتنقي الديانات المختلفة، وليس في نزع فتيل المواجهة بين المنظمات الإسلامية ووكالات إنفاذ القانون التي تشكك في كل الأنشطة الإسلامية بدعاوي الإرهاب ودعم الجماعات المتطرفة، ولكن نجاحه الحق يتلخص في تأسيسه – مع آخرين- لتيار إسلامي أمريكي خالص، خاليا من شوائب ومتعلقات الأجندة المستوردة المتعلقة بقضايا التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمسلمين في أوطانهم الأصلية. فهو قد نأى عن التعبير عن مشاكل المسلمين في الشرق الأوسط لأن المنظمات التي حملت هذه المهمة سقطت وفشلت وجرت على نفسها إتهامات ما زالت تعاني من آثارها. وركز في المقابل جهده ضمن آخرين في بناء تيار يتمسك بجذوره الأمريكية بحيث يكون معبرا عن تطلعات وطموحات المسلمين الأمريكين، ومخاطبة قضاياهم وحل مشاكلهم في إطار الأسس الدستورية حسب القوانين الأمريكية السائدة. وهو بذات القدر لا يستنكف أن ينخرط في حوار الأديان ويخاطب المصلين اليهود ويزور الكنائس ويهاجم المتطرفين ويشجب العنف ويعلن تضامنه مع ضحايا المحرقة اليهودية ويدين المعادين للسامية. يعود النجاح الذي أصابه الإمام محمد ماجد في بلورة هذا التيار الوسطي الاعتدالي إلى جذور ثقافته السودانية القائمة على التسامح، والزهد والوسطية والاعتدال، والبعد عن التنطع والغلو وترجيح فقه المقاصد حسب تنجيم الحوادث وتحولات الأقضية، فهو قد نزع فتيل المواجهة بين القيم الإسلامية، ومحمولات الثقافة الاجتماعية التقليدية للمجتمعات المسلمة المهاجرة من جهة، وبين قيم وأساليب الحياة الأمريكية في الحرية والمسئولية الإجتماعية وسيادة دولة القانون، وحفظ حقوق الإنسان، وحماية المرأة من العنف الأسري من جهة أخري. إن الأمام محمد ماجد مدين بهذا النجاح إضافة للتوفيق الإلهي وعصاميته ودقة فهمه وذكائه إلى روح والده الشفيفة المرحوم الحاج ماجد التي سقته من ينابيع الحكمة، ولمدن عطبرة والخرطوم التي منحته هذه الأريحية المتفردة ولمزجه المبدع بين الأصالة والمعاصرة ولوسطية الثقافة والتقاليد الاجتماعية واعتدال المزاج والتدين السوداني.