محاسن أحمد عبد الله (أنا تعبت خلاص يا أمي وجسمي انتهى كلو كلو وشعري ورموشي بقوا ما في.. أحسن أموت.. أنا ما دايرة أي علاج.. ما دايرة صبحاتي يشوفوني كده).. انحدرت دمعة حارة على خدها الناعم رغم شحوب لونه ومرت لحظات من الصمت الغريب الذي عم المكان ونحن جلوس في قائمة الانتظار بصالة كبيرة بمستشفى الذرة بالخرطوم.. الفتاة صاحبة الدموع الحارة على ما يبدو في العشرينيات من العمر تدلت على وجهها أطراف من الثوب الذي ترتديه والدتها وهي تحتضنها بحنو دافق وألم شديد, الفتاة العليلة تقاطيعها جميلة بكل المقاييس رغم إهلاك المرض لجسدها وفقدها الرغبة في الحياة ورغم المرارة التي تكوي قلبها حسرة لعدم قدرتها على ممارسة حياتها الطبيعية, كانت التفاصيل تحكي عن فتاة باذخة الجمال مترعة بالدهشة والتأمل.. ولكنه المرض لا حول له ولا قوة.. دون أن أشعر انحدرت حبيبات دمع على وجهي فسارع منديلي بمسحها وأنا أبكي حال تلك اليانعة التي غرز فيها وحش (السرطان) القاتل أنيابه في جسدها دون رحمة.. نادي المنادي لأنه حان دوري لمقابلة الطبيب برفقة والدي الذي أنهك جسده المرض اللعين هو الآخر متوكئاً على عصاه وأنا أسنده حتى أخفف عنه بعض الآلام إن استطعت، ولكن هيهات!.. ما بلغ العظم لا يخفف ألمه إلا مباضع الأطباء رغم قسوتها.. الحال في مستشفى الذرة يغني عن السؤال، وأنت تتفرس عشرات الأوجه البائسة وعشرات العيون المتعبة من أشعة الطب النووي وعشرات الأجساد الهزيلة التي تمدد المرض في أنسجتها وعشرات العشرات بلا حصر أو عدد.. جميعهم التقوا في مجمع واحد وهو (الألم) وأي ألم لو تعلمون.. أطفال تتمزق دواخلك عندما تنظر إلى أجسادهم النحيلة التي أنهكها العلاج أو تشق أذنك صرخة أحدهم وكأنها خنجر مسموم غرز في أحشائك, ترى كل مناظر ومشاهد الحزن هناك وتسمع كل الآهات، ولكن لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى المواساة وخضوع المريض لأوامر الطبيب، وهو يبحث عن قشة أمل في كوم من اليأس.. رسالتي إلى كل من يحمل بذرة خير بداخله، وإلى كل من بداخله يقين تام بتفشي هذا المرض اللعين بصورة مذهلة ومخيفة، أن يمد يد العون والمساهمة للمستشفيات والمراكز الطبية التي تعنى بهذا الأمر دون أن ننتظر عوناً أو مساعدةً من جهة حكومية قد تساعد أو لا.. لأن من يعي خطورة هذا المرض القاتل لا يتوانى لحظة في المساعدة متى ما سنحت له الفرصة بذلك.. أقولها وبصوت عالٍ: الحقوا من تبقى من الأطفال والشباب بعد فقدنا الكثير منهم خلال سنوات معدودة ولا زلنا!! وكم من أسر تيتّمت وترملت بسببه.. أعينوا أولئك المرضى بتوفير جرعات العلاج المكلف مادياً والمرهق بدنياً.. فأطباؤنا يعملون ما في وسعهم وما تبقى في أيدي آخرين والشفاء من الله عز وجل.. يعرف حجم مرارة هذا المرض من ذاقه ومن لم يتذوقه لأنه بكل المقاييس خطير وقاتل، وإحساس الألم الذي يعيشه صاحبه وأسرته ينتقل إلى المحيطين به ومن سمع به. والدي.. لك كل الدعوات الخالصة بأن يتم الله شفاءك فنحن لن نقنط من رحمته وله حامدون وشاكرون.. دعواتي بأن يشفي الله جميع مرضى المسلمين وأن يخفف على أسرهم رهق المعاناة، وأن يجد كل مريض ضالته في العافية. آمين يا رب العالمين. بدون قيد: عزيزي.. عندما يحاول اليأس أن يوثقني بحباله يجعلني حديثك الطيب أنفك منه لأكون أقوى من أي وثاق.. (العافية كان في.. أي شيء هين).