تقول الرواية إن عمدة إحدى مناطق ريفنا الحبيب لما انقرضت ماشيته وأنعامه من كثرة الضيوف لذبيحته لكل زائر وأصبح فقيرا ليس له ما يكرم به ضيوفه وجمع أهل قبيلته من فرقانهم وقراهم وشرح لهم ما وصل إليه حاله من الفقر وعدم مقدرته على إكرام الضيوف الذين يفدون إلى القبيلة في شخصه باعتباره رأس القبيلة، وبعد أخذ ورد اتفق العمدة وعشيرته وخولوا له بذبح أقرب بهيمة منه عندما يحضر الضيوف للمصلحة العامة وهذا بمثابة تفويض منهم له، وهنا وجد العمدة ضالته في العشيرة باسم المصلحة العامة وأصبح يذبح كيفما يشاء حتى قضى على كل بهائم أهله من خراف و(تيوس) ولم يبق إلا تيس معاطي الفحل الذي تتكاثر به الماعز وهذا الأمر قد أغضب معاطي غضبا شديدا وذهب إلى العمدة في راكوبته ووجد لحم تيسه مشويا أمامه، فدعاه العمدة للجلوس والأكل إلا أن معاطي رفض الأكل فقال للعمدة إن كل التيوس السابقة عفوت لك عنها إلا هذا التيس الفحل أسألك منه يوم القيامة. هذه القصة تنطبق تماما مع حال أهلنا المسيرية أولاد هيبان مع الشركة الصينية للبترول بمنطقة (بليله) وحكومة السودان الولائية والمركزية، فقد سلبت هذه الجهات حقوق أهلنا البسطاء هناك من التنمية والتعليم والصحة وياليتها ظلمتهم بهذا فقط بل أدخلت عليهم (شرور أنفسها) من التلوث البيئي الذي حدث في مناطق (عديد شريف، وكرنقو، والفلاتية، وكدركي) وقتلت مواشيهم بسبب تلوث البيئة من غازات البترول وإفرازاته السامة كالفيرنس وخلافه، فقد كانت هذه المنطقة قبل اكتشاف هذا البترول من أغنى المناطق بالثروة الحيوانية وقد انعدم منها الضأن على سبيل المثال، وخير شاهد على ذلك الثروة الحيوانية للإخوة آدم عمر أبو ضوة وأولاد بركة وأولاد تقديمة هذا النفر على سبيل المثال كانوا يملكون ألف رأس من الضأن للفرد الواحد منهم واليوم لا يملكون خراف الأضحية، أما في مجال الخدمات والتنمية المصاحبة فلا يوجد أي شيء ولا حتى مركز صحي على طول المنطقة وعرضها، أما التعليم فعلى امتداد أكثر من 120 كلم حول منطقة بليله وما جاورها وأكثر من تسع عشرة قرية وتجمع مدرستي أساس لم تكتمل فصولهما ولم تفتح للعام الدراسي المنصرم حتى يومنا هذا، أما حق العمل والتوظيف في هذه الشركة فهو محرم تماما على مواطن هذه المنطقة إذ لا يوجد موظف واحد من أبناء المنطقة في هذه الشركات ووظائفهم تحتكر في (الخفراء وعمال اليومية) بالرغم من أن هنالك أكثر من أربعين خريجا من أبناء المنطقة قد تقدموا للعمل بهذه الشركات ولم يستوعب أحد ورفعوا الأمر لوزارة الطاقة وكأنهم يؤذنون في مالطا، فضلا عن الفرق الكبير في رواتب أبناء المنطقة وزملائهم من المناطق الأخرى ولنفس الوظيفة العمالية. أما تيس معاطي الذي ذبحته الشركات وحكومة الولاية والحكومة المركزية ووزارة الطاقة فهو صحة الإنسان في نفسه فقد أارتضى هذا الإنسان المغلوب على أمره هذا الحال بظلمه وتجهيله وسلب حقه وأراضيه لمن، ولكن هنالك من لا يظلم عنده أحد، ولكن ما يؤرق حقيقة كيف يسكت المسئولون جميعاً عن تلك الكارثة الصحية التي فتكت بالإنسان والحيوان في تلك المناطق وكل يسمع ويقرأ ما كتبته الصحف عن التلوث البيئي في عد كرنقو وعديد شريف وكيف وصل الحال وكيف مات الأطفال وأجهضت النسوة ناهيك عن الكبار، ولو حصل هذا الذي حصل بأي منطقة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد، ولقد سمعنا ورأينا التلوث البيئي الذي حصل من قبل شركة Bp للبترول في خليج المكسيك وكل العالم وقف لأن تسرب هذه المواد البترولية قد قتل الأسماك والأحياء المائية في خليج المكسيك؟ رسالة نوجهها لكل المسئولين ولائيين واتحاديين وأصحاب الضمير الحي الحقوا إنسان بليله فقد قتله التلوث ومن أراد الحقيقة فليذهب لتلك المنطقة، ومن رأى ليس كمن سمع.