يحفظ الشعر العربى الكثير من قصائد الرثاء لعلَّ أشهرها ماقالته الخنساء وهى ترثي أخاها صخراً أو ما قاله ابن الرومى عند فقده أوسط بنيه يحي وسميته يحي ليحيا فلم يكن إلى رد أمر الله منه سبيل كذلك ما قاله فارس الكلمة أبو الطيب وهو يرثي خولة أخت سيف الدولة والتى أظهر فيها من دفَّاق العاطفة ماجعل الناس يرجعون ذلك إلى قصيدة عشق ما اكتملت :- طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي وقصيدة للشاعر والأديب الأستاذ الراحل الشيخ / محمد عبدالله الوالي أحد فحول الشعراء وكوكبة العلماء والذى ما اهتم بنشر ما كان يكتبه. افتقد الشيخ الوالي أكبر أبنائه الصادق فى عطلة صيفية سوداء .. غرق الصادق الذى كان وقتها يتهيأ للعودة من قريته فداسي الحليماب بالقرب من مدينة واد مدني إلى حنتوب حيث كان على موعد ، لم يتم ، مع عامه النهائي والأخير فى مدرستها الثانوية الشهيرة . مات غرقاً فى النيل الأزرق عند قريته الوادعة الآمنة فأحال موته وداعة القرية وأمنها حزنا وغضباً عظيمين. كان الصادق فريداً ومتميزاً نبوغاً ومودة وبشاشة وأريحية .. ولكن هل كان ذلك يوماً سبباً لدفع المنية ؟؟ أمل تبدد فاستحال سراباً ومنىً كذبن وكن قبل عذاباً وذخيرة نفذت وكنت أعدُّها للحادثات فعشت بعد مصابا ابنى الذى أعددته وذخرته للنائبات مهنداً وكتابا دارت عليه رحى المنية فجأة ودعته نحو رحابها فأجابا اختصر أستاذنا القصة فى هذه الأبيات الرائعات وبدا قوياً ومتماسكاً من خلال ضعف إنساني نبيل. يانيل : قالوا إن ماءك نعمة يهب الحياة سعادة وشبابا يغشى اليباب فيستحيل مواته روضاً يرف أزاهراً وخلابا مابال مائك عمَّ روض سعادتي فأحاله بعد الحياة يبابا يانيل هل أدركت من غيَّبيته ومنعته الأنفاس والأسبابا يانيل هل أدركت موقع صادق منا وكيف زكا صباه وطابا يانيل لو أدركت سر نبوغه وذكاءه المتوقد الوثابا ماكنت تجرؤ ، نيل ، أن تغتاله وتسير فوق رفاته منسابا وتخلِّف الآلام تعمر ربعنا والحزن ينشر فوقه أثوابا وتصيبني فى خير ما أرجوه من هدي الحياة ذخيرة وطلابا بكائيَّة حزينة ... ماذا يجعل النيل يمشي ممتشقا حسام قتل وخطف وتقتيل .. لولا لوعة والد فقد فلذة كبده ... فاستحال الكون ظلاماَ قاتماَ حجبت فيه الحقيقة . وكيف للنيل أو بالأحرى للموت أن يستقدم أو يستأخر! وما الأمر إلا لصاحب الأمر جلَّ جلاله . لولا قليل من تقىً حصِّنته بحمىً من الإيمان عزَّ جنابا قد هبَّ يلهمني التصبر والرضا بقضاء ربي خاشعاً أوَّابا لهلكت حزنا عند فقدي صادقٍ أوعشت عمري لا أحير جوابا ألق جميل وشفافية أجمل وعودة للحق والحقيقة كأجمل ماتكون العودة ...السكون بعد زفرة ... والتسليم فى رضا ... إذا كان هذا هو شعور الوالد الشيخ الفارس الصنديد فكيف يكون شعور الأمَّ المكلومة التى ودعت ابنها وهو يخرج متأنقا متبسماً متطلعاً ... زفته بنظرات حانية تنضح إعجاباً ومودة .. وما درت أنه لن يعود أبداً . رباه أرسل من لدنك سكينة لفؤاد أمٍ قد تجرع صابا وانزل على روح الفقيد سحائباً من فيض برِّك تدمن التسكابا هذه هى بكائية الشيخ المغفور له محمد عبدالله الوالي المنحدر من منطقة الزيداب والذى عاش فى قرية فداسي الحليماب التى نزح إليها أصول الأسرة . عمل الفقيد معلماً بالمدارس الوسطى ثم عمل باتحاد المزارعين وكان سكرتيراً لاتحاد مزارعي الجزيرة وقطباً اتحادياً متميزاً ثم عضواً بمجلس الشعب لدورات عديدة وعضواً بمجلس إدارة جامعة أم درمان الإسلامية . كانت بكائية الوالي عند وفاة ابنه الصادق عام 1958 وحينما توفي الشيخ الوالي عام 1990 كانت بكائيته حاضرة فى مرثية الأستاذ المنيرة محمد رملي له :- فاجأتك عاديات الخطوب فأخرجت من تبر منجمك العذاب السلسل فبكيت صادقك الفقيد بأدمع حرَّى وقلب والد يتعلل بأرق من ندب الخناس لصخرها أو ما بكاه أبو ذؤيب الأول فالشعر منك سجية مطبوعة والشعر فيك تطاول وتطفل