قال أبو الطيّب المتنبئ في قصيدة له نظمها بطريق هروبه من مصر كافور الإخشيدي: ألا كُلُّ ماشيةِ الخَيْزلَى فِدَى كُلِّ ماشيةِ الْهَيْذَبَى و كُلِّ نَجَاةٍ بجَاوِيَّةٍ خَنُوفٍ وَما بِيَ حُسْنُ الْمِشَى وَلَكنَّهُنّ حِبَالُ الحَيَاةِ وَكَيْدُ العُدَاةِ ومَيْطُ الأذَى ضَرَبْتُ بِهَا التِّيهَ ضَرَبَ القِما رِ إِمَّا لِهذَا وَإِمّا لِذَا يقول المتنبي في البيت الأول بأن الخيل السابقة التي تمشي الهيزبى -وهو ضرب من مشي الخيل- تفديها عنده مشية الخيزلي -مشي للنساء فيه تفكك- وأظنه يشبه المشية التي قال عنها شاعرنا ود الرضي في أغنيته، ليالي الخير جادن: قَلَبْ المَخضُوب فُوق الْفَاقِلْ تَلَّ الْيُمْنَى ومَشَى مِتَّاقِل ولا تفدي مشية الخيل - التي يحتاجها لنجاته من أسر كافور =لا تفدي مشية محبوبته عنده الخيل وحدها وإنما تفديها عنده الوسيلة الأسرع الأخرى وفق عصره ،الجمال البشارية البجاوية التي أشار إليها ب)كل نجاة بجاوية( ما ينبئ بأن هروب المتنبي من مصر ربما كان على ظهر نِيَاق من عندنا. تذكرت القصيدة وأنا أنظر للمنطقة التي عاش فيها شاعر العرب قديما من الطابق 23 في فندق فاخر يطل على ضفاف النيل الخالد كنت أقيم فيه ، وقد تعرفت على المنطقة التي عاش فيها أبو الطيب من قوله: وسَمْنَا بها الَبيدَاءَ حتي تَغَمرّتْ مِن النيلِ وَاستَذرَتْ بِظلِّ المُقَطَّمِ وهذه هي المنطقة حول قلعة محمد على الحالية. الحمد لله لاتاحته لي زيارة القاهرة في طريق عودتي إلى استراليا من السودان حيث أنعم على المولى من كرمه بالزواج من الغالية نازك خضر فاخضرت شجرة شبابي في كهولتي وأكملت نصف ديني وتبقى لي أن أمارس التجارة لإكمال نصف إتحاديتي! واحمد الله بأنني نعمت في القاهرة بوفاء الصداقة وليس بالجحود والنكران اللذين عاناهما المتنبي في بلاط الاخشيدي فقد احتفى بزواجي رفيق الصبي السفير الحسن العربي وزوجته أمل وأبناؤهم ،الذين أدهشوني فلم أر فيهم سمات الكيزان ، هيأ لي حسن والعمدة بكري النعيم رحلة نيلية مازال صوت شاديها يتردد في سمع وجداني حتى الآن وشرفت بلقاء الأديب السر قدور وشعره وأدبه وخفة دمه وثقافته الموسوعية وعرفت منه ما سرني بأن برنامجه أغاني وأغاني سيكون مكتمل الأركان هذا العام بعصاميه وعاصمه وبقية كوكبة الابداع. كما أورد لقاء السر قدور لذاكرتي قصة طريفة حدثت بينه وشقيقه الفريق الدكتور عمر قدور و الأستاذ إبراهيم عبد القيوم رئيس تحرير الاتحادي الدولية في تسعينيات القرن الماضي ،عمر قدور قابل عم إبراهيم في مترو أنفاق القاهرة وكان خارجا من عملية جراحية في عينه التي لم تنزع منها العصابة الطبية ، فلم يتعرف على عمر وحياه وتحدث معه في الرحلة باعتباره السر قدور، ،وحدث أن زارنا بعدها بمدة الأستاذ السر قدور في مكاتب الجريدة و فسلم عليه أستاذنا إبراهيم وقال له يا أخي بلِّغ اعتذاري لشقيقك عمر فقد قابلته في المترو وكنت عامل عملية عيون فافتكرته وتحدثت معه باعتباره أنت فقال له السر: ولا يهمك يا إبراهيم فعمر نفسه أخطاك وتعامل معاك على أساس أنك الأستاذ محمد الخليفة طه الريفي. ضحك الحضور فقد كان هنالك شبه بين عبد القيوم والريفي في ملامح وجهيهما ولونيهما فضلا عن شلوخ الشايقية كما كانا صديقين حميمين أيضا.