الأمطار الأخيرة فاقمت الأزمة الخريف.. مخاوف من التبعات البيئية وفيضان النيل الخرطوم : قذافي - بخيتة تاج السر – مشاعر أحمد رغم أن معدلاتها كانت أقل، إلا أن الأمطار التي هطلت في الخرطوم فجر أمس، زادت الأوضاع تعقيداً وأحكمت برك المياه التي كانت قد انحسرت قليلاً حصارها على الأحياء وارتفعت مخاوف المواطنين من تواصل تساقط الأمطار في الأحياء التي امتلأت شوارعها وساحاتها بالمياه، ولم يعد فيها متسع لقطرة إضافية، في وقت تمضي فيه توقعات الهيئة العامة للإرصاد الجوي عكس ما يتمناه مواطنو ولاية الخرطوم بشكل خاص، إذ تشير إلى أن الولاية ستكون عرضة للأمطار حتى الحادي عشر من الشهر الجاري وهو ما يعني أن (الغريق قِدَّام). أسر بلا مأوى وفي منطقة الصالحة القيعة التي غمرتها سيول قادمة من شمال كردفان (حسب إفادات شعبية) في الأسبوع الماضي، لا زالت الأوضاع متأزمة بعد أيام من حادثة السيول التي كسرت التروس الواقية خارج المناطق السكنية، ووصلت إلى الصالحة هجيليجة ودمرت كبري القيعة الذي على شارع الإسفلت المسمى بالمطار الجديد، ثم عزلت المنطقة الجنوبية (القيعة) عن المنطقة الشمالية (هجيليجة) وفقدت أسر كثيرة من سكان الجزء الجنوبي مأواها. ويقول المواطن هيثم بشير: "منطقة الصالحة أكثر المناطق ضررا من الأمطار والسيول، فهنالك ما يزيد عن المائة منزل انهار تحت ضغط مياه السيول، ولا زال معظم المواطنين الآن بلا مأوى، ولا زالت مساحات واسعة ممتلئة بالمياه التي لا مجال لتصريفها حتى الآن"، وحذر من وقوع منطقتي (هجيليجة مربع خمسة، وسوق المواسير) في دائرة الخطر حال هطلت أمطار إضافية. وقال هيثم إن معتمد محلية أم درمان سجل زيارة للمنطقة ووعدهم بمعالجات، وأضاف أن المشكلة نتجت وفقاً لما قاله المعتمد للأهالي عندما كسرت السيول المصدات الواقية وتقدمت نحو المناطق السكنية. وقال هيثم إن المتضررين تظاهروا مطالبين بتوفير المأوى لهم، فاستجابت لهم السلطات بتوفير (40) خيمة وهي بطبيعة الحال لا تكفي لإيواء كل المتضررين الذين يبلغ عددهم (104) أُسَر. وانتقد هيثم السلطات المحلية وقال إن سكان المنطقة يعانون من الغمر في كل خريف، وهو الأمر الذي دفعهم حسب هيثم نفسه إلى تقديم طلب لرئاسة المحلية لإنشاء مصرف لتطويع مياه الأمطار وتمريرها بعيداً عن الأحياء السكنية، غير أن المحلية لم تستجب للطلب، وعندما راجعوها قال لهم المسؤولون إن الطلب تم تحويله إلى إدارية الصالحة التي لم تفعل شيئاً حيال الطلب. الأوضاع تتأزم وبمنطقة الحاج يوسف يعاني المواطنون من أوضاع سيئة نتيجة لركود المياه وتجمعها في الأحياء. وتحدثت (السوداني) مع المواطنة هاجر محمد التي قالت: "نحن بمنطقة الحاج يوسف نعاني من سوء التصريف بالمنطقة ونسبة لهطول الأمطار بغزارة تجمعت المياه في شارع الإسفلت، فإن ذلك أدى إلى إحجام سائقي المركبات العامة من دخول المنطقة لنقل المواطنين، ونسبة لذلك توجه مواطنو المنطقة إلى (الركشات) -التي ارتفعت تعرفتها من (5 إلى 15) جنيهاً- لتوصلهم لمسار المواصلات، كما أن الكثير من المنازل غمرتها المياه التي أصبح المواطنون يُخرجونها (بالجرادل) للشارع العام، وكذلك صار المواطنون يعانون من صعوبة الحركة حتى عندما يخرجون لجلب أبسط احتياجاتهم. وفي ذات السياق تحدث إلى (السوداني) المواطن محمد بشير (من أمبدة) قائلاً: "جميع مواطني الحارات (24 – 38 – 17) وسوق ليبيا يعانون من تراكم المياه بالشارع العام بكميات كبيرة مما أدى إلى تعطيل حركة المواطنين المتجهين إلى أعمالهم، كما امتلأ المصرف الرئيسي الموجود بطريق ليبيا بالخلاء إلى آخره بالمياه إلى أن فاض وبدأ بالتدفق على شارع الأسفلت علماً بأن معظم الشوارع لا توجد بها مصارف والوضع بصورة عامة سيِّئ جداً وسيسوء أكثر إذا عاودت الأمطار الهطول". ويؤكد بشير أنه شخصياً لم يرَ دوراً لحكومة الولاية وغرف الطوارئ التي يتحدثون عنها، رغم أن المنطقة التي يتحدث عنها متضررة، خاصة أن معظم البيوت في هذه الأنحاء مبنية بالطوب الأخضر والطين وإذا تكررت الأمطار وفي ظل عدم وجود تصريف للمياه سيتضرر المواطنون ومنازلهم. وفي الثورة الحارة 15 (زقلونة) الصورة لا تختلف كثيراً، وتسيطر المسطحات المائية الراكدة على المشهد بشكل كامل، وبدأت الآثار البيئية لها في الظهور. ووفقاً لسيف الدين عثمان، فإن المنطقة ليس بها مصارف مياه والنتيجة كل الشوارع (غرقانة) وميدان صلاة العيد كذلك، الأمر الذي أدى إلى توالد الباعوض وانتشار الحشرات بصورة مريعة تهدد صحة المواطنين القاطنين بمنطقة الثورة الحارة 15 وتقض مضاجعهم. وناشد سيف الدين المحلية الإسراع في فتح المجاري. خسائر فادحة وتسببت الأمطار والسيول التي ضربت أنحاء واسعة من البلاد بحر الأسبوع الماضي وفقاً لسجلات المجلس القومي للدفاع المدني، في وفاة (21) شخصاً، وانهيار نحو (3,500) منزل. وكشفت تقارير للمجلس القومي وتحصلت (السوداني) على نسخة منها، عن انهيار (1946) منزلاً انهياراً كلياً، بجانب انهيار (1585) منزلاً انهياراً جزئياً، إضافة إلى انهيار (17) مرفقاً عاماً و(8) مخازن ومتاجر. ووجه المجلس القومي للدفاع المدني، بتطبيق قانون 2005م القاضي بإخلاء وترحيل الأسر التي تسكن في مجاري السيول وحرم الأنهار. وهذه الإحصائيات تشير إلى ارتفاع في فاتورة الخسائر حتى الآن ونحن في بداية الخريف، وفي وقت تقول فيه توقعات الإرصاد الجوي إن ولاية الخرطوم عرضة للأمطار حتى يوم 11 من شهر أغسطس الجاري، وهو ما يعني أن الأوضاع قابلة للتأزم أكثر حال صدقت توقعات الإرصاد. النيل والبيئة على الخط والمخاوف ليس فقط من تأثيرات مياه السيول والأمطار المباشرة فحسب، بل تمتد إلى الهزات الارتدادية لها والمتمثلة في الآثار البيئة التي قد تنجم عنها لاحقاً. وقد حذرت وزارة الصحة الاتحادية من كارثة صحية متوقعة، نتيجة اختلاط الحيوانات النافقة بمياه السيول والأمطار، التي بالفعل كانت قد تحولت قبل (المطرة) الأخيرة إلى مياه آسنة تغير لونها وتفوح منها روائح كريهة. وبالكثير من القلق ينظر المواطنون إلى النيل الأبيض خاصة، الذي كثيراً ما ألقى ثوب الوقار وخرج عن مساره ونشر الخراب والدمار في الأنحاء المتاخمة له، رغم أن كل التحوطات تكون عادة على شواطئه وفي الكلاكلة القبة لا زالت آثار غضبات النهر ماثلة على الأرض أو في جدران المنازل القريبة من المجرى. والتقت (السوداني) بالمواطن نصر الدين عبد الله الذي يقطن الكلاكلة القبة والذي قال إن سكان الأحياء القريبة من النيل الأبيض عادة لا يعانون كثيراً من مياه الأمطار لانحدار الأرض شرقاً صوب مجرى النهر فتنساب جل مياه الأمطار صوب المجرى ولا يتبقى منها شيء إلا في الشوارع والميادين البعيدة عن تأثير فيضانات النهر، لكن الأمر يختلف عندما يجتمع خطر الأمطار مع خطر الفيضان، ففي هذه الحالة يتضاعف الخطر لأن مياه الأمطار تتسبب في كسر التروس الواقية من مياه النهر. وقال نصر الدين إن الوضع لم يصل بعد إلى مرحلة الخطر، لكنه قال إن ذلك لا يعني أنه بعيد، وقال: "وفقاً لتجاربنا مع النيل الأبيض ومفاجآته غير السارة فإننا لا نركن للمظاهر". ويضيف أنه في الأيام الأخيرة شاهدوا وجوداً رسمياً في الأنحاء، وهو ما يعني أن الدفاع المدني يتابع حالة النهر، وختم قائلاً: (جميع المواطنين الذين يقطنون بالقرب من البحر مرهقون مادياً وغير مستعدين، وظروفهم المادية صعبة نسبة لمواسم الصرف المتمثلة في المدارس ورمضان والعيد، لذلك فإن على المحلية أن تسرع في وضع كافة التحوطات). وتوقعت وزارة الري والموارد المائية حدوث فيضان في ظل ارتفاع مناسيب النيل، وطالبت المواطنين القاطنين في المناطق المتاخمة لمجرى النيل بأخذ الحيطة والحذر.